أنت حر ما لم تضر أزمة اللاجئين وتـداعياتها الإنسانية و الوجودية | ِAlmelhem

أفضل موقع عربي في جودة المحتوى ودقة المعلومة

00

آخر الأخبار

أزمة اللاجئين وتـداعياتها الإنسانية و الوجودية

بتاريخ 9:50 ص بواسطة ADMIN

منذ أن تصدرت صورة إيلان كردي (3سنوات)، الطفل السوري الذي عرفه العالم جثّة على شاطئ بودروم التركية، مع بداية شهر أيلول الجاري،
أجهزة الإعلام العالمية المرئية والمقروءة، أصبحت قضية اللاجئين السوريين تشكل أزمة ضاغطة على كل أوروبا، بسبب تداعياتها الإنسانية والوجودية، ولاسيما أن أزمة اللاجئين السوريين هي نتيجة أساسيّة للحروب الاستعمارية التي يشنّها الغرب ومعه الدول الإقليمية الحليفة لها في الشرق الأوسط، منذ الحرب الأطلسية على ليبيا في 2011، وحتى الحرب على سورية المستمرة منذ أربع سنوات ونصف السنة، حيث يجري إحضار اللاجئين السوريين إلى أوروبا بأمر من واشنطن لتركيا، بهدف إثارة السخط والضيق لدى المواطنين الأوروبيين وجعلهم يميلون إلى «تدخّل عسكري» غربي في سورية.
فما ترتكبه الوحوش الإيديولوجية، أي التنظيمات الإرهابية والتكفيرية مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وأخواتها التي ترعرعت في الدورة الدموية العربية، من جرائم بحق الشعب والتراث الإنساني في سورية، واستمرار الولايات المتحدة الأميركية ومعها أوروبا بالاكتفاء بلعب دور المتفرج على كارثة إنسانية وثقافية ذات أبعاد مصيرية، ولكن مع استمرار خوض الحرب أيضاً على سورية بالوكالة أي الحرب التي تستخدم المرتزقة، وتشنها التنظيمات الإرهابية على الشعب السوري بالقنابل والرشاشات وقطع الرؤوس، لزعزعة استقرار هذا البلد، يشكلان عاملاً إضافياً في تفاقم أزمة اللاجئين السوريين ومأساتهم الناتجة عن دعم كلّ هذه الهمجيّة المُموّهة في «الثورة» الخيالية، همجية قادها جشع الدول الغربية وغطرستها وطغيانها عبر مؤسساتها الفكرية ووسائل الإعلام والمنظّمات «الإنسانية» وأجهزة الاستخبارات ومرتزقتها في التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، بسبب رفض الدولة السورية «الانصياع» للمخططات الأميركية-الصهيونية ما جلب كلّ التدخلات من جانب أدوات الغرب الامبريالي بنتائجها المدمرة المعروفة.
معظم العرب في ظل انهيار النظام الإقليمي العربي منذ الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، تحولوا إلى «كثبان بشرية» على غرار الكثبان الرملية تتقيأ المال مثلما تتقيأ الدم والطعام، وأميركا صارت ضرورة شيطانية للأنظمة الخليجية الرجعية التي أضحت الممولة والراعية للإرهاب في العالم العربي، والغرب يرفض أي مسار سياسي ممكن للأزمة في سورية، له مرجعيته السياسية الوطنية، وله أفرقاؤه من الداخل السوري، وله رعاته الإقليميون والدوليون القادرون على الوقوف بصورة ندية في وجه الغطرسة الغربية.
الولايات المتحدة الأميركية وإن بدّلت لغتها في الشأن السوري، لكن موقفها الحقيقي تجاه سورية لم يتغير فعلاً منذ 11 آذار 2011 حتى اليوم، موقفها كان ولايزال: «المطلوب رأس سورية». هكذا كان موقفها في العراق ولايزال، وهكذا سيكون في دول عربية أخرى باتت على اللائحة أو على همة دخولها. وهي في هذا المجال استطاعت تحقيق نجاحات في هذا الاتجاه. وفي الوقت الذي نجد فيه الولايات المتحدة الأميركية مسكونة بقعقعة المصالح وأمن الكيان الصهيوني، وحرية تدفق النفط إلى السوق الرأسمالية العالمية، نجد العربان مسكونين بقعقعة الغرائز، ولا أحد يستطيع أن يغسل تلك الخطيئة، والخلاف بين العربان حول تقاسم الجثث والموتى فقط.
وتعلم الولايات المتحدة الأميركية أن من يسيطر على سورية، يسيطر على الممر الاستراتيجي لجلّ منطقة الشرق الأوسط، وتالياً يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وآسيا الوسطى، حيث الصراع في سورية وعلى سورية، هو صراع على الشرق وما بعد الشرق كلّه وقلبه سورية بنسقها السياسي وموردها البشري و«ديكتاتورية» جغرافيتها، وتدرك روسيا وإيران والصين وجلّ دول «البريكس» هذه الحقيقة، وعلى الرغم من عمق الغزو الخارجي لسورية عبر التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، المستمر منذ زهاء خمس سنوات، لا تزال الدولة الوطنية السورية بكل مؤسساتها الوطنية ولاسيما الجيش العربي السوري، صامدة، وأزيد من ذلك أنّ دمشق وحمص وحماة والمنطقة الساحلية والسويداء والحسكة والقامشلي تحت سيطرة الدولة، إضافة إلى أن تقريباً نحو 78% من المواطنيين السوريين يعيشون في هذه المناطق والمواصلات متوافرة بين بعضها، ويمكن لنا أن نسميها (سورية المفيدة) على أهمية كل الجغرافيا السورية بالنسبة للجيش والدولة الوطنية السورية وقيادتها، بل كل حبة تراب وحبة حصى تعادل أرتالاً من التبر بالنسبة للنسق السياسي السوري، على حد قول الكاتب الأردني محمد أحمد الروسان.
 تجارة الموت في «المتوسط» ومسؤولية أوروبا
تراجعت حدّة الهجرة مع توجّه العديد من الدول إلى فرض التأشيرات وتشديد المراقبة على الحدود. فقد فتحت أوروبا الغربية الأبواب على مصراعيها أمام المهاجرين، عندما كانت بحاجة إلى طاقات بشرية لإعادة بناء ما دمّرته الحرب العالمية الثانية، وخلال السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي، وما رافق ذلك من رغبة متزايدة في توسيع الاتّحاد الأوروبي من جهة، وتزايد وتيرة الهجرة الإفريقية إليه تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة من جهة أخرى، وشرعت هذه الدول في سَنّ مجموعة من القوانين، واتّخاذ العديد من التدابير الأمنية لتنظيم التدفّقات نحو بلدانها والحدّ منها، الأمر الذي أسهم في تنامي الهجرة السّرية كسبيل لتجاوز هذه الضغوط.
لم تكتفِ هذه الدول بهذه التدابير والإجراءات، بل ظلّت تُحمِّل دول الضفّة الجنوبية من البحر المتوسّط (المغرب وتونس وليبيا والجزائر) مسؤولية وقف الهجرة نحوها، مطالبةً إياها بلعب «دور شرطيّ» في هذا الصدد. وهو ما تحوّلت معه هذه البلدان، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب، من مجرّد محطّة للعبور إلى بلدٍ للاستقرار؛ الأمر الذي أفرز مجموعة من الإشكالات القانونية والاجتماعية..
وشكّل البحر الأبيض المتوسّط ملتقى للحضارات المتعاقبة تاريخياً، كما ظلّ معبراً للمهاجرين من مختلف الجنسيات في اتجاهات مختلفة، قبل أن يتحوّل إلى بحرٍ للهجرة السرّية القاتلة في العقود الثلاثة الأخيرة، هذه العقود التي برزت فيها مظاهر عدّة، على علاقة بالصراعات السياسية والعسكرية الدامية التي شهدها الكثير من الدول الإفريقية والشرق أوسطية، وضغط الكوارث الطبيعية والجفاف، وضغط الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والرغبة في البحث عن عمل وظروف عيش أفضل وضعف الدولة المركزية الذي يحدّ من نجاعة مراقبة الحدود.
ومنذ مطلع كانون الثاني 2015 وحتى شهر آب الماضي، عبر أكثر من 430 ألف مهاجر ولاجئ من دول مختلفة البحر المتوسط، ولقي نحو 2800 حتفهم أو فقدوا، حسب آخر أرقام المنظمة الدولية للهجرة التي نشرت في 11 أيلول الجاري، وقد وصل نحو 310 آلاف منهم إلى اليونان و121 ألفا إلى إيطاليا حسب المنظمة الدولية للهجرة، وتشير تقديرات المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة إلى أن السوريين يمثلون 50% من الذين عبروا المتوسط منذ بداية العام 2015،و 70% من الذين وصوا إلى اليونان، يتبعهم الأفغان 13%، ثم الأريتريون 8%،و النيجيريون 4%، والصوماليون 3%.
وأشارت الحكومة السورية في جلستها الأخيرة إلى ضرورة معالجة موضوع الهجرة غير الشرعية وملاحقة المهربين ومعرفة أسبابها.
و تبدأ رحلة هجرة اللاجئين السوريين عبر الوصول إلى تركيا، ثم العبور من تركيا إلى اليونان بحراً،و يلعب المهربون دوراً رئيساً في كل هذه العمليات، ويكون الانطلاق من سورية بثلاثة طرق، الأول عن طريق البر بالتواصل مع مهربين هم على اتصال مع المجموعات الإرهابية المتواجدة في شمال سورية، وخاصة في ريف حلب، وهذه الطريقة كانت البداية منذ سنوات في عملية التهريب، وخطورتها هي في المجموعات المتشددة التي تتعرض للهاربين بالضرب والإهانات قبل نقلهم، بالتنسيق مع الأمن الحدودي التركي إلى داخل البلاد، وتعد منطقة حواركلس في شمال حلب من أهم المعابر المستخدمة في عملية التهريب التي أصبحت تغلق في معظم الأحيان، إضافة إلى طرق التهريب من المنطقة الشرقية على الحدود مع محافظة الحسكة، أما الطريقان الآخران، إما البحر أو الجو، وهو ما يتم بطريقة واضحة وعلنية، فهما عن طريق لبنان بحراً أو جواً حيث يتم نقل المسافرين إلى الحدود اللبنانية، بشكل نظامي ورسمي، وحين تصل إلى بيروت، يكون حجزك عن طريق مطار بيروت الدولي في رحلة إلى تركيا، أو عن طريق باخرة تنطلق نحو الشواطئ التركية، وبعد أن يتم تأمين الطريق من سورية إلى تركيا، يبدأ التواصل مع المهربين في الجانب التركي، وفي الرحلة من تركيا إلى اليونان تبدأ عروض الأسعار بين المهربين واللاجئين السوريين وغيرهم من فلسطينيين وعراقيين، حيث يقدم لهم أحد المهربين عبر البحر عرضين للتهريب، الأول من اسطنبول إلى اليونان إما بقارب مطاطي بتكلفة 1300 دولار أميركي، وإما يخت سياحي بتكلفة 2500 يورو، ومكان الوصول هو جزيرة كوس اليونانية، العرض الثاني من مدينة بوضروم التركية إلى جزيرة متليني اليونانية، وذلك عبر قارب مطاطي بتكلفة 1200 دولار، وقدرة استيعاب القوارب المطاطية حوالي 35 شخصاً، أما السياحية فتصل إلى 50 شخصاً. ويتحدث «المهرب» عن طريقة الهرب عن طريق البر نحو اليونان أو بلغاريا، حيث يمكن تقديم عرض تزوير جوازات سفر بلغاريا، بتكلفة تصل إلى 20 ألف دولار، ومشكلتها هي مدتها الطويلة للعبور سيراً على الأقدام، حيث إن الوصول إلى ألمانيا من اليونان يتطلب عبور ألبانيا ومقدونيا وصربيا ثم المجر والنمسا قبل الوصول إلى ألمانيا، وتتراوح تكلفتها حسب الخدمات المقدمة فيها، فهي تبدأ من ألفي دولار وتصل إلى ستة آلاف دولار، ومن الخدمات المقدمة وجود دليل يقود الرحلة لمنع وقوعهم في أيدي الشرطة.
في السابق كانت إحدى طرق الهرب لبعض السوريين هي ليبيا نحو إيطاليا. ففي النصف الثاني من شهر نيسان 2015، لقي أكثر من 1200مهاجر سري حتفهم غرقاً في البحر الأبيض المتوسط، حين انقلبت السفينة التي كانت تقلهم قبالة السواحل الليبية، وكان قبطانها تونسياً وضحاياها من جنسيات مختلفة، وكان الحادث، الذي تم وصفه بالكارثي والأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، نتيجة تصادم مع مركب تجاري بحري، واتهم أيضاً أحد أفراد طاقم السفينة بتشجيع الهجرة غير القانونية، وكان القبطان وعضو الطاقم من بين الناجين الـ27 الذين وصلوا صقلية في وقت متأخر الاثنين 28 نيسان 2015، كما تم اعتقال شريك للقبطان التونسي وهو سوري مهرب يبلغ من العمر 26 سنة، وحسب تصريحات متنوعة، فإن رحلة الموت كانت أرباحها تقدر بين مليون وخمسة ملايين يورو.
وتندرج هذه الحادثة ضمن عنوان واحد إنها «تجارة الموت» وتجارة بأحلام الهاربين من براثن الفقر أو الحروب، وهي أرقام مفزعة، تؤكد لنا تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث إن المهاجرين غير الشرعيين اليوم هم في أغلبيتهم من الجنسيات السورية والسودانية والصومالية والفلسطينية.وأبدت المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني أكثر من مرّة وخلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي الاجتماعي العالمي في البلدان العربية تخوفاً من سعي السياسات الأوروبية إلى تطوير نشاط وكالة «فرونتاكس» التي تُجَرِّمُ واقع الهجرة والإقامة غير القانونية وغير المنظمة، وتُعْطِي اعتباراً أكبر لما هو تجاري على حساب ما هو إنساني وحاجات الحماية الدولية. وبلغت حصيلة المفقودين على حدود الاتحاد الأوروبي حوالي 160 ألف شخص.
ووصفت منظمات المجتمع المدني في تقارير لها المقاربة الأوروبية بـ «القمعية للهجرة العالمية» ولا علاقة لها بالواقع، فأوروبا تستقبل 3 في المئة فقط من سكان العالم وثلث المهاجرين فقط يتوجهون من دول فقيرة إلى أخرى غنية ومتقدمة، ومن مجموع 15 مليون لاجئ في العالم تستقبل الدول النامية أربعة أخماسهم، وقد أدّى غياب منافذ قانونية للأراضي الأوروبية إلى تقوية شبكة المقايضة البشرية.. ويدعو المنتدى إلى تغيير السياسات الأوروبية للهجرة، وإعادة النظر في دور وكالة «فرونتاكس» التي تضاعفت ميزانيتها مع تضاعف أعداد الموتى من المهاجرين، وارتفاع الخسائر البشرية.. كما يدعو إلى رؤية جديدة لمعالجة هذه الظاهرة.
وحسب تقارير إعلامية ليبية، فإن هناك ميليشيات من «فجر ليبيا» تقف وراء موجات الهجرة غير الشرعية التي تتم من الجنوب الليبي باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، وأكدت هذه التقارير أن كارثة غرق قارب قبل أيام قبالة السواحل الليبية، وما رافقه من انتقادات للدول الأوروبية، كشف عن تورط تلك الميليشيات في عمليات تهريب الأفارقة عبر قوارب الموت.وبيّنت التقارير أن أغلبية المهاجرين غير الشرعيين الحالمين بالوصول إلى أوروبا، تبدأ رحلتهم من مطار معيتيقة في العاصمة طرابلس الذي تسيطر عليه ميليشيات «فجر ليبيا»، حيث وصلت أعداد كبيرة من السوريين والفلسطينيين إلى هذا المطار، ومن ثم ينقلهم أشخاص تابعون لميليشيات «فجر ليبيا» إلى المدن المجاورة كزوارة وصرمان وصبراته ومصراته.
فتجارة الموت هذه تقف وراءها عناصر ومافيات، ويضطر الحالم بالهجرة إلى دفع مبلغ بين2000 دولار إلى 3000 دولار.. ولئن كانت بعض العصابات تستغل الأموال لحسابها الذاتي، فإن بعض التقارير يشير إلى تورط جماعات متطرفة تستغل هذه العائدات في تمويل تنظيمها وشراء الأسلحة وتمويل العمليات الإرهابية.
وحسب مصادر إعلامية ليبية فإن «أنصار الشريعة» وتنظيم «داعش» الإرهابي في صرمان وزوارة يستغلان هذه التجارة لدعم الإرهابيين. وتواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الواقعة في الجنوب الأوروبي والمطلة على البحر المتوسط، بمفردها تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين في أغلب الأحيان من بلدان إفريقية وعربية شرق أوسطية ومغاربية، في محاولة منهم للوصول عبر قوارب قديمة وهشة إلى السواحل الإيطالية، ومنها ينطلقون إلى بلدان الاتحاد الأوروبي..
وكانت إيطاليا قد أطلقت في تشرين الأول 2013، بعد أيام من مصرع أكثر من 360 مهاجراً غرقاً، عملية «ماري نوستروم» (الاسم الذي أطلقه الرومان على البحر المتوسط) في محاولة لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون من سواحل ليبيا على مراكب بدائية، وخلال ثمانية أشهر ونيف، أنقذت البحرية الإيطالية 73 ألفاً و686 شخصاً، أي ما معدله 270 شخصاً يومياً. وفي مركز قيادة عمليات «ماري نوستروم» في شمال روما، قال رئيس أركان القوات الإيطالية ميشال سابونارو إن تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ساحل إيطاليا ليس ناجماً عن إخفاق عملية «ماري نوستروم»، بل عن تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، ففي سورية تفاقم الوضع، وفي العراق هناك تقدم للقوى المتطرفة.
 دول أوروبا توافق على استقبال ملايين اللاجئين السوريين
لقد غيرت صورة الطفل السوري الملقى قتيلاً على الشاطىء، المؤثرة جداً، موقف أوروبا من اللاجئين، إذ طالب ديبلوماسيون كبار من فرنسا وإيطاليا وألمانيا بإجراء إصلاح شامل للقوانين الأوروبية المتعلقة باللاجئين، وأصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً، في 9 أيلول الجاري، في محاولة لضمان «انتشار عادل» للمهاجرين في أنحاء أوروبا، وأشار البيان إلى أن «أزمة المهاجرين الحالية تضع الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الأعضاء أمام اختبار تاريخي»، كما دعا إلى تطبيق نظام للجوء أكثر كفاءة للأشخاص المحتاجين.
وبعد اجتماع رؤساء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واتصالهم بأوروبا وكندا وأميركا، تقرر أن يتم توزيع اللاجئين السوريين فقط على الدول وفق الجدول الآتي:1- كندا تستقبل نصف مليون سوري شرط أن يأخذوا تأشيرات من سفاراتها حيث ستعطي أوامر بإعطاء السوريين تأشيرات لنصف مليون سوري.2- فرنسا وافقت على استقبال 300 ألف لاجئ سوري3- ألمانيا وافقت على استقبال مليون لاجئ سوري4- إيطاليا وافقت على استقبال نصف مليون سوري5- صربيا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ6- بولندا وافقت على استقبال 100 ألف لاجىء7- هنغاريا وافقت على استقبال 100 ألف لاجىء، وذلك وفقاً لما تقرر.
وسوف يعطى الحق باللجوء للسوريين فقط مع عائلاتهم مع إعطائهم إقامة دائمة، وبعد خمس سنوات جنسية للبلد الذين هم فيه، وهكذا يكون 4 ملايين ونصف المليون سوري قد لجؤوا إلى أوروبا وكندا وأميركا، وتعد هذه الهجرة أكبر هجرة بعد الحرب العالمية الثانية، وتفقد بذلك سورية 5 ملايين نسمة من سكانها، إضافة إلى وجود أعداد غير قليلة من اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان ومصر والعراق واليونان.
موجات الهجرة التي شهدتها ألمانيا خلال 70 عاماً
شهدت ألمانيا التي تواجه تدفقاً كبيراً للاجئين في السنوات الـ70 الأخيرة موجات هجرة كان معظمها مؤلماً.
1944-1950: «12 مليون نازح ألماني»
بدءاً من خريف 1944-1945، فر الألمان المقيمون في شرق أراضي الرايخ النازي وخصوصا في أراض انتزعت من بولندا، أمام تقدم الجيش السوفييتي، نزحت عائلات بأكملها في أجواء من البرد الجليدي سيراً على الأقدام، وبعد هزيمة ألمانيا في أيار 1945، قرر مؤتمر «بوتسدام» إعادة الألمان المقيمين على الأراضي التي أعيدت لبولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر والاتحاد السوفييتي ورومانيا، شرد بين 10 ملايين إلى 12 مليون شخص وصلوا إلى ألمانيا منهكين، قدر عدد الذين توفوا بين 400 ألف ومليوني شخص. وتم إيواء اللاجئين في مخيمات ومراكز أقيمت على عجل وفي منازل سكان، وفي بعض المناطق كان هؤلاء «الذين تمت إعادتهم» يمثلون ثلث السكان، وقد طغت الفظائع التي ارتكبها النازيون على صدمة اللجوء هذه ومنعت النظر إلى الألمان على أنهم ضحايا.
1950-1970: «العمال المدعوون» في «عقود المجد الثلاثة»
كانت المعجزة الاقتصادية الألمانية «غرب البلاد» تحتاج إلى يد عاملة بسرعة، وقد أبرمت جمهورية ألمانيا الاتحادية في خمسينيات القرن الماضي اتفاقات مع دول عدة -إيطاليا واليونان والبرتغال وتركيا- لتوظيف عمال. ووصل الرجال ومعظمهم من الشبان الذين لا يتمتعون بكفاءات كبيرة، للعمل في مصانع السيارات والمنتجات الكيميائية ومناجم منطقة الرور «غرب»، في 1973 عندما حدثت الأزمة الاقتصادية وأنهت هذا الوضع كان عدد هؤلاء «العمال المدعوين» كما يسمونهم في ألمانيا قد بلغ 2،6 ملايين شخص، لكن أبناء وأحفاد هؤلاء المهاجرين أصبحوا جزءاً من المجتمع مع أن نقص الاحترام لآبائهم وأجدادهم ترك ذكرى مريرة، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذا الأسبوع «علينا أن نستخلص العبر من دروس الستينيات وإعطاء الأولوية المطلقة من البداية للاستيعاب».
1989-1990 النزوح الألماني من الشرق إلى الغرب
رسمت خطوط ألمانيا وأوروبا من جديد، فبعد سقوط برلين انتقل 750 ألف ألماني من الشرق ليستقروا في الغرب، في المجموع اختار 1.1 مليون شخص مغادرة ألمانيا الشرقية السابقة بين 1991 و2012. وفي ثمانينيات القرن الماضي، بدأت ألمانيا الاتحادية استقبال المتحدرين من ألمانيا القادمين من الاتحاد السوفييتي «روسيا وكازاخستان» وكذلك من رومانيا، وأدى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى تسريع حركة الهجرة هذه، ومنذ 1989 وصل نحو 3 ملايين من هؤلاء «العائدين» إلى ألمانيا.
1992-1995: النزوح من يوغوسلافيا
كانت ألمانيا الوجهة الأولى للاجئين الهاربين من حروب يوغوسلافيا، في 1992 وحدها وصل أكثر من 400 ألف طالب لجوء، وحتى تلك السنة كان هذا الرقم قياسياً. ولم يتوقف النزوح من البلقان يوماً وإن كانت فرص حصول مواطني هذه البلدان على وضع اللاجئ شبه معدومة.
الألمان واللاجئون.. فعل خير أو شعور بالذنب
بعد الأسبوع الأول من شهر أيلول 2015، الذي شهد أحداثاً عدة معادية للأجانب استهدفت لاجئين في ألمانيا، جرت تعبئة تأييد لهم في هذا البلد شملت وسائل إعلام وشخصيات، حرصاً على إظهار وجه آخر لألمانيا «منفتح على استقبال المهاجرين». وعنونت صحيفة «بيلد» الشعبية الأكثر انتشارًا في أوروبا «إننا نساعد» مطلقة «عملية مساعدة كبرى» من أجل اللاجئين «لإظهار أن المعادين للأجانب لا يزعقون باسمنا». وتواجه ألمانيا تدفقًا غير مسبوق من اللاجئين ويتوقع المكتب الفيدرالي المشرف على هذا الملف توافد 800 ألف طالب لجوء خلال عام 2015.
وتصطدم حركة التدفق هذه وضرورة فتح مراكز استقبال في جميع أنحاء البلاد لمواجهتها بردود فعل رافضة تصل أحياناً إلى حد العنف ولا سيما في شرق ألمانيا.وشهدت ألمانيا خلال النصف الأول من شهر أيلول 2015سلسلة أحداث من حرائق مفتعلة وتهديدات واعتداءات وحتى تظاهرات كما في هايديناو في ساكسونيا شرق البلاد، ما حمل المستشارة أنجيلا ميركل على القيام بأول زيارة لها إلى مركز لاستقبال اللاجئين في هذه المدينة الصغيرة التي جرت فيها صدامات بين الشرطة وناشطين من اليمين المتطرف.
وعلى غرار صحيفة «بيلد»، اتخذت عدة وسائل إعلام أخرى مثل الأسبوعية «دير شبيغل» أو صحيفة ميونيخ الكبرى «سود دويتشه تسايتونغ» مواقف ملتزمة حيال المهاجرين.وصدرت «دير شبيغل» في يوم السبت 5 أيلول الجاري بغلاف مزدوج، الأول يعرض «ألمانيا القاتمة» وعليه صورة لمركز لاجئين تشتعل فيه النيران، والثاني يعرض «ألمانيا المشرقة» ويظهر عليه أطفال لاجئون يلعبون بالكرة في الهواء الطلق. وكتبت الأسبوعية «يعود لنا نحن أن نحدد كيف نريد أن نعيش، أمامنا خيار»، فيما عرضت صحيفة «سود دويتشه تسايتونغ» على قرائها العازمين على التحرك حيال هذه المسالة إرشادات عملية لتقديم الملابس والمواد الغذائية وغيرها للاجئين.
وقال بطل العالم في كرة القدم لاعب الوسط في فريق «ريال مدريد» توني كروس في تصريحات نقلتها الصحافة «أعزائي اللاجئين، أمر جيد أن تكونوا هنا، لأن ذلك يسمح لنا بالتثبت من نوعية قيمنا وإظهار احترامنا للآخرين». واتخذت شخصيات أخرى أيضاً مواقف من هذه المسألة وبينهم تيل شفايغر نجم السينما الألماني الذي وضع منزله تحت الحراسة بعد تسلل مجهولين إلى حديقته.
ودعا مغني الروك اودو ليندنبرغ إلى تنظيم حفل موسيقي ضخم «للاحتفال بثقافة الاستقبال» في ألمانيا، من المحتمل أن يجري في 4 تشرين الأول المقبل في برلين.وهذه التعبئة في بلد ما زالت تطغى عليه ذكرى ماضيه النازي، تذكر بحملات أخرى جرت في السابق عند وقوع أحداث عنصرية. ففي عام 2000، دعا المستشار السابق الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر إلى «انتفاضة للشرفاء» بعد إحراق كنيس في دوسلدورف (غرب).
وكتب وزير الداخلية توماس دي ميزيار في صحيفة «دي فيلت» إن ألمانيا «بلد متسامح ومنفتح».وفي افتتاحية بعنوان «ما نحن عليه»، عرضت الصحيفة المحافظة وجهة نظر متفائلة معتبرة أنه بعيداً عن الأحداث المعادية للأجانب فإن «حيوية الالتزام التطوعي تبدل وجه ألمانيا» التي «تعيد اكتشاف نفسها» من خلال «ثقافة الاستقبال» التي تنتهجها.ورأت «دي فيلت» أن هذه الحركة «تساهم في هذا التعريف الجديد للبلد بأنه أرض هجرة» بعدما كانت ألمانيا المحافظة في عهد هلموت كول ترفض بشكل قاطع أن تحدد نفسها بهذه الصورة. وأظهر استطلاع للرأي نشر نتائجه «معهد بيرتلسمان» في كانون الثاني الماضي أن «ثقافة الاستقبال» تتقدم في ألمانيا حيث أبدى 60 في المئة من المستطلعية آراؤهم استعدادهم لاستقبال أجانب مقابل 49 في المئة قبل ثلاث سنوات.
غير أن الدراسة أظهرت في المقابل أن المجتمع ما زال منقسماً حول مسألة ما إذا كانت الهجرة تشكل فرصة للبلد وأشارت أخيراً إلى أنه في ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) سابقاً، فإن السكان أقل ميلاً لاستقبال أجانب. وجرت تظاهرة 12 أيلول 2015 في درسدن عاصمة ساكسونيا (شرق) ومهد حركة «بيغيدا» المعادية للإسلام، دعا إليها «التحالف المعادي للنازيين» وشارك فيها ألف شخص حسب الشرطة، وخمسة آلاف حسب المنظمين، ساروا خلف لافتة كتب عليها «أن نمنع اليوم مذابح الغد» في محاولة لتغيير هذه الصورة لمدينتهم. وفي المساء التقى مئات المتظاهرين في هايديناو على مسافة بضعة كيلومترات ورقصوا في الشارع مع اللاجئين وسط وجود مكثف للشرطة.
منذ أربعة أسابيع يقوم فرانك ديتريش يومياً بتوزيع الماء على اللاجئين في مركز تسجيل طلبات اللجوء في برلين، على غرار آلاف الألمان الذين يتوافدون مدفوعين بإرادة فعل الخير وأحياناً بنوع من الشعور بالذنب. وصرح ديتريش لـ «فرانس برس» «هذا أفضل من البقاء في المنزل مسمراً أمام التلفزيون... كثيرون ينتظرون لتسجيل أسمائهم والموظفون الإداريون عاجزون عن القيام بذلك وحدهم. لذلك ينبغي مساعدتهم».وقال يورغ برون أمام مدخل المركز حيث يتطوع منذ يومين «يرى الآخرون الألمان أنهم باردون وعقلانيون. لكنهم في الحقيقة حساسون جداً، لا يتحملون رؤية أشخاص يتعذبون بهذا الشكل».
لقد استقبلت ألمانيا 450 ألف لاجئ منذ بداية 2015 وتتوقع ارتفاع عددهم إلى رقم قياسي يبلغ 800 ألف حتى نهاية العام. وباتت البلاد تعتبر من الأكثر تعاطفاً في أوروبا، فيما قال نائب المستشارة الألمانية سيغمار غبريـال إن هناك قدرة على استقبال 500 ألف شخص سنوياً لبضع سنوات. وعدا عن الحراك السياسي لبرلين من أجل قضية اللاجئين، كانت طيبة المجتمع المدني مفاجئة إلى جانب التعاطف والتعبئة عبر شبكات التواصل وانخراط وسائل الإعلام.
وفي 12 أيلول 2015، سجلت فرانكفورت في غرب البلاد مشهداً مؤثراً عندما بادر المئات إلى استقبال اللاجئين بحفاوة عند وصولهم إلى محطة القطار، فوزعوا عليهم المياه والملابس وألعاب الأطفال. وقبل أيام طلبت شرطة ميونيخ في الجنوب من السكان التوقف عن إرسال الهبات، نظرًا إلى حجم المساهمات الكبير الذي فاق طاقتها.كما اقترحت جمعية «أهلاً باللاجئين» على الألمان إيواء لاجئين في منازلهم. وأشار استطلاع لمؤسسة يوغوف تم لمصلحة وكالة «دي بي ايه» إلى أن ألمانيا من كل خمسة سبق أن قدم مساعدة إلى اللاجئين بشكل أو بآخر. ويثير الاندفاع المتضامن الإعجاب في بلد ما زالت أغلبية الرأي العام ترفض تقليص ديون اليونان.
وينبغي تفسير ذلك بالعودة إلى الماضي. إذ تحدث المؤرخ أرنولف بارينغ عن شعور تاريخي بالذنب قائلاً إن «أعمالنا الخيرة اليوم تفسر بالجرائم التي ارتكبناها، خاصة في الفترة النازية».وتبدو المبادرات السخية للألمان مناقضة لأعمال النازيين الجدد العنصرية إزاء طالبي اللجوء. فأعمال إحراق مساكنهم والتجمعات والإهانات ضدهم تتكاثر على الرغم من التنديد بها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ودانت المستشارة أنجيلا ميركل بنفسها هذه الأعمال «الشنيعة» ضد الأجانب. ولفت الفنان البرليني انديرل كاميرماير الذي يتاخم مشغله ملجأً موقتاً للاجئين إلى أن «كل مساء أو نهاية أسبوع تتوافد سيارات مملوءة بالأغراض من أجل اللاجئين». واعتبر أن هذه التعبئة «ربما تكون مرتبطة بتاريخنا والذاكرة الألمانية. فكل ألماني تقريباً لديه قريب كان في يوم ما لاجئاً أو مهاجراً». ففي أثناء الفرار من زحف الجيش الأحمر في شتاء 1944-1945، أو هرباً من ألمانيا الشرقية الشيوعية عاشت كل عائلة ألمانية معاناة الفرار والخوف والصقيع. واعتبرت جائزة جائزة نوبل للآداب هيرتا مولر «لدينا مسؤولية بالنسبة إلى الماضي. لكن بغض النظر عن ذلك، فان التعاطف فعل إنساني». وأضافت الروائية الألمانية الرومانية الأصل في مقالة في صحيفة بيلد: «كنت أنا كذلك لاجئة من رومانيا (الشيوعية). في رومانيا، كانوا يتحدثون عن حمى اللاجئين ـ فكلما قتل أشخاص على الحدود في أثناء الهروب ازدادت أعداد الفارين».
حاجة ألمانيا لهجرة اللاجئين السوريين من أجل تجديد شيخوخة السكان
تطمح ألمانيا ومعها فريق الدول الإسكندنافية إلى استقبال جميع اللاجئين الوافدين إلى بلدانهم، والتخلص من صداع الدول الصغيرة التي تتخوف من استقبال اللاجئين، في الوقت الذي تقوم بـ«نهب» المخصصات الأوروبية التي توزعها الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا والسويد، على هذه الدول لتأمين استقبال اللاجئين السوريين، حيث لا يصل في بعض البلدان للاجئين سوى القليل من هذه الأموال.
وسط تحفظ أغلب شركائها الأوروبيين وتحذيرات بعضهم من تداعيات هذه الموجة الكبيرة والقياسية على مستقبل القارة، فتحت ألمانيا في الأيام الماضية أبوابها أمام اللاجئين السوريين. جمّدت برلين عمليا تطبيق اتفاقية دبلن بقرار مكتب الهجرة واللاجئين وقف إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الدول التي سبق أن دخلوا إليها، وتركوا «بصمتهم» فيها، بالتزامن مع تدفق الآلاف منهم مؤخرا إلى ألمانيا برًّا عبر اليونان ومقدونيا وصربيا وهنغاريا والنمسا. وفيما تتخوف دول جوار ألمانيا، وخاصة هنغاريا، من موجة اللاجئين الحالية وتداعياتها المستقبلية، حتى إن رئيس حكومتها فيكتور أوربان وصف الوضع الحالي بأنه «موجة جديدة من عصر الهجرات»، تستعد ألمانيا لاستقبال نحو 800 ألف لاجئ ومهاجر العام الجاري، ما يزيد على العدد الذي استقبلته في العام الماضي بـ4 أضعاف.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت أن بلادها يمكنها أن تتدبر أمر اللاجئين في العام الحالي من دون زيادة للضرائب. وبالمقابل ذكرت صحيفة «فرانكفورت تسايتونج» أن تكلفة استقبال ألمانيا لأعداد قياسية من اللاجئين فاقت 10 مليارات يورو، أي 4 أضعاف ما تم إنفاقه على اللاجئين في العام الماضي وكان عددهم 203 آلاف. وتدور تخمينات مختلفة حول سبب كرم «الضيافة» الألمانية للاجئين وبخاصة السوريين منهم. وإذا تجاوزنا دافع التعاطف الإنساني مع اللاجئين السوريين عقب وقائع الموت المأسوية التي تعرض لها باحثون عن برّ للأمان هرباً من الحرب، وخاصة مأساة غرق الطفل السوري إيلان كردي، فإن لدى ألمانيا، لا شك، دوافع أخرى لفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين.
يشير خبراء في هذا الصدد إلى سبب يرونه رئيساً في استجابة برلين للتعاطف الكبير لدى الألمان تجاه اللاجئين السوريين، يتمثل في محاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات.ولألمانيا أقوى اقتصاد في أوروبا ونسبة البطالة فيها الأقل بعد النمسا ولوكسمبورغ وهولندا.وقد انخفضت النسبة العام الحالي إلى 2.77 مليون، ومع ذلك تقول تقارير ألمانية إن البلاد بحاجة في السنوات المقبلة إلى 1,5 مليون من الأيدي العاملة للمحافظة على وتيرة اقتصادها المرتفعة.
تتقدم ألمانيا على اليابان في انخفاض معدل الولادات، وتقول التقارير إن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80,8 مليون نسمة في عام 2013، مرشح للتراجع إلى 67,6 مليوناً في عام 2020. يحدث ذلك على الرغم من العدد المتزايد من اللاجئين.وتنتشر في المجتمع الألماني ظاهرة إحجام الكثيرين عن الإنجاب، حيث تفيد التقارير بأن عدد الأطفال الجدد الذي يدخلون المدارس انخفض بنسبة 10% خلال 10 سنوات، إذ يلتحق بالمدارس 800 ألف طفل سنوياً، وفي الوقت نفسه يحال إلى التقاعد 850 ألف شخص.وينكر بعض الخبراء أن يكون دافع ألمانيا إلى فتح أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئين هو لمواجهة شيخوختها، مشيرين إلى أنها لو أرادت ذلك لاكتفت بفتح باب الهجرة أمام حملة المؤهلات والكفاءات، لافتين إلى أن استقبال اللاجئين في هذا البلد يجري من دون تمييز.
ومع ذلك، تضمن القوانين الألمانية للاجئين البقاء ما بقي وضعه الإنساني قائماً، ولاحقاً يتمكن من البقاء في البلاد أولئك الذين يتمكنون من إعالة أنفسهم ويتم ترحيل الآخرين بعد زوال ظروفهم القاهرة وتحسن أوضاعهم الإنسانية. واللافت أن ألمانيا لا تستعمل صفة «لاجئ» في معاملاتها، بل يعد هذا النعت نوعًا من التمييز وجريمة يعاقب عليها القانون، ولا يُنص عليها في الوثائق التي تمنح لهؤلاء، الذين يُشار إلى أنهم يتمتعون بصفة «الحماية الدولية»، ويُذكر في الوثائق أن سبب إقامتهم هو «قرار المكتب الفيدرالي بمنح الحماية الدولية» بموجب المواد 25-26 من قانون إجراءات الإقامة. ويكتب على وثائق سفرهم أنها منحت بناء على أحكام اتفاقية جنيف لعام 1959.
ويصعب تحديد سبب معين لفتح ألمانيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين، ويمكن القول إن ظروفاً متنوعة اجتمعت لتدفع برلين في هذا الاتجاه.
وبقدر ما تعطي هذه الخطوة للاجئين حياة واعدة جديدة، تساعد في الوقت ذاته هذا البلد على مواجهة عدة مشكلات من بينها ظاهرة الفاشية الجديدة من خلال الاستفادة من موجة التعاطف التي عبّر عنها الرأي العام الألماني تجاه اللاجئين السوريين لمحاصرة مثل هذه الاتجاهات المتعصبة والسلبية، ناهيك طبعاً بمعالجة الخلل الديموغرافي لتفادي تبعاته المستقبلية الخطرة.
اللاجئون السوريون وتوظيفهم من قبل الغرب
لا نعلم إن كان يتعين علينا أن نشكر ألمانيا وبعض الدول الأوروبية على صحوة الضمير التي أصابتها فجأة ودفعتها لنصرة اللاجئين السوريين في أسوأ محنة يتعرضون لها، وهم يفتحون لهم المعابر والملاجئ ويستقبلونهم في بيوتهم، في الوقت الذي تسد أمامهم المنافذ وتمنع دونهم المعابر إلى الدول العربية... أو إن كان يتعين علينا بدلاً من ذلك، أن نلعن الغرب على أنانيته المفرطة وتفانيه في ممارسة لعبة سياسة المصالح التي تمنحه فرصة الظهور بمظهر «إنساني متحضر»، وهو الذي «ينتصر للضعفاء ويمنحهم قارب النجاة ويعيد لهم الأمل في لحظة فارقة»... فحتى بابا الفاتيكان لم يحتمل بدوره معاناة السوريين فارتفع صوته مطالباً كل عائلة مسيحية باستقبال عائلة سورية...
إذا كان فيما يقدمه الغرب اليوم للسوريين لا يمكن إلا أن يدين الأنظمة العربية بجامعتهم وبقية منظماتهم الإقليمية التي دخلت مرحلة اليأس منذ فترة طويلة، فإنه لا يمكن أيضاً أن يجعل منه أي الغرب - «بطلاً للسلام» و«لا منقذاً للإنسانية»، بل إن بطاقة الإدانة تنسحب عليه هو أيضاً وتجعل مسؤوليته مضاعفة إزاء كل لاجئ سوري يغرق أو يموت مختنقاً في شاحنات الموت والمهربين الذين يتعيشون من أزمة اللاجئين، تماماً ككل السياسيين والمنظمات الحقوقية التي تبتز الدول النفطية وتحصل منها على تبرعات خيالية باسم «إغاثة اللاجئين وتمويل المشاريع الإنسانية»، بيد أن السوريين يموتون ولا يرون منها فلساً. والمأساة ذاتها خبرها اللاجئون الفلسطينيون والعراقيون واليمنيون وغيرهم كلما تفاقمت موجة الصراعات والحروب في المنطقة...
وفي هذا السياق، تتحمل الدول العربية مسؤولية حقيقية فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين.فنحن نتحدث عن الظلم الذي يقترفه العالم الغربي بحق العالم العربي، لكن.. لماذا لا نتحدث عن الاضطهاد والقهر والظلم الذي نقترفه نحن العرب بحق بعضنا بعضًا؟ هناك أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، كلهم عرب مسلمون، وينتمون لدولة عربية.. إن من جعل هؤلاء الناس يفقدون منازلهم وأوطانهم ليصبحوا لاجئين، هي سياسات تدخل المحاور الإقليمية وارتباطاتها الدولية في الشؤون السورية. فسورية لم تشهد حربًا بين المسلمين والمسيحيين، بل تشهد حرباً إرهابية قوامها تنظيمات إرهابية وتكفيرية مدعومة من قبل دول الخليج، وتركيا، والدول الغربية وفي مقدمتها أميركا ضد الدولة السورية. والحرب تدور بين أطرافٍ جميعها مسلمة، حنجرة المقتول والقاتل تصدح باسم «الله»، و«إسرائيل» والغرب يتابعان هذا المشهد بسرور كبير. جميع اللاجئين السوريين الذين ذهبوا إلى الدول الأوروبية رحلوا عن سورية من جراء الحرب الإرهابية التي تشنها التنظيمات الإرهابية التكفيرية، ضد الدولة والمجتمع السوريين. فقبل هذه الحرب العدوانية التي تشن على سورية منذ أربع سنوات، لم يكن للسوريين أي تطلع للجوء خارج وطنهم، بل إنهم يشعرون بالأمان في بلدهم.
لا أحد اليوم في خضم مآسي اللاجئين اليومية يكاد ينتبه لخطورة الفراغ الذي تستعد له سورية مع وجود أعداد كبيرة من اللاجئين بعد أن أجبروا على الهرب من جحيم القصف اليومي الذي يتعرضون له من قبل التنظيمات الإرهابية. سورية يهجرها أبناؤها كرهاً بحثاً عن مكان آمن يأوون إليه، وفي المقابل تتواصل حشود الإرهابيين القادمين إليها من كل أنحاء العالم ليستوطنوا البلاد.. وبيّن الدكتوروائل الحلقي رئيس الوزراء مؤخراً، في حديثه عن ملف هجرة السوريين، أنه مشروع سياسي منظّم ذو أبعاد استراتيجية عميقة لتفريغ سورية من كوادرها الكفوءة المتميزة وشريحة الشباب التي يعول عليها في بناء سورية وإعادة الإعمار، مشيراً إلى دور المجتمع في توعية الشباب بمخاطر الهجرة عليهم وعلى وطنهم، وأن مواد الدستور واضحة بشأن حرية انتقال السوريين داخلياً وخارجياً، وأن الجهات المعنية تتابع المهربين بشكل دقيق.
 كاتب تونسي 


ردود على "أزمة اللاجئين وتـداعياتها الإنسانية و الوجودية"

أترك تعليقا

الرجاء ترك رسالتك وفق معاييرك التربوية

Random Posts