الرئيس الخالد حافظ الأسد رحمه الله
الرئيس الخالد :
في أواخر القرن الماضي، هبط ذات يوم رجل مصارع تركي متجول في قرية من قرى جبال سورية الشمالية الغربية و بصوت صداه يرن في أرجاء القرية ، عرض التحدى على القادمين، و تجمهر القرويون حوله يتفرجون، لكنهم ما لبثوا أن أخذوا يتأوهون و هم يشاهدون أقرانهم يتساقطون واحداً بعد الآخر أمام التركي الذي بدا أنه لا يقهر، و فجأة برز إليه رجل في الأربعينات من عمره، و أمسك به من وسطه و رفعه بقوة في الهواء ثم طرحه أرضاً، فصاح القرويون معجبين : ( ياله من وحش! إنه وحش) كان اسم بطلهم هذا سليمان ولكنه منذ ذلك الحين أصبح يعرف بإسم (سليمان الوحش) و ظل الوحش لقبه العائلي حتى العشرينات. كان ذلك الرجل هو جد الرئيس الخالد حافظ الأسد.
كان هذا الرجل بشهادة الجميع رجلاً ذا قوة و بسالة خارقتين و قد أكسبته هاتان الصفتان في القرية مكانة جعلته و أسرته في مصاف الأسر القوية البارزة، و كان الى جانب ذلك بارعاً في استعمال البندقية براعته في استخدام قبضته، وقد حدث مرة أن أرسل الحاكم التركي طابوراً الى القرية لتحصيل الضرائب و جمع المجندين للجيش، فتمكن سليمان و أصدقاؤه المسلحون بالسيوف و المسدسات العتيقة من صد ذلك الطابور.
و ورث علي سليمان - والد الرئيس الخالد- كثيراً من صفات أبيه، فكان يلصق ورقة سيكارة على جذع شجرة ثم يصيبها برصاصة مسدس من على بعد 100 ياردة وسط اعجاب اولاد القرية، وقد و اصل علي سليمان تقليد عائلته في التوسط لفض النزاعات و تقديم الحماية للمحتاجين، و قد عاصر والد الرئيس الخالد المولود سنة 1875 الحكم العثماني و قاتل في فترة من الزمن الفرنسيين عند مجيئهم الى سورية و استمرت حياته حتى شهد ثورة حزب البعث عام 1963 تزوج علي سليمان من السيدة ناعسة فأنجبت له ابنة و خمسة من البنين و ولد الرئيس الخالد حافظ الأسد ( الإبن الرابع) في 6 تشرين الأول عام 1930
ولادته و نشأته :
ولد في السادس من تشرين الأول عام 1930 في القرداحة ( محافظة اللاذقية ) .. وحمل صفات عائلته ذات الجذور والقيم العربية الأصيلة، وأضاف إليها صفاته الذاتية .
ـ تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرداحة .
ـ انتقل بعد ذلك لإتمام تعليمه في ثانوية اللاذقية في مطلع الأربعينيات وكان لامعاً منذ سنوات دراسته الأولى 1944 ـ 1946 ..إذ كان الأول في صفه كما تبين الوقائع والملفات، فلم يكتف بالمنهاج الدراسي ، وكان يكثر من المطالعة، خاصة في حقل الأدب والشعر منه بشكل خاص، وهذه الصفات جعلته يحظى بعدة شهادات تقدير في مدرسته الابتدائية.
الإنخراط في العمل السياسي:
ـ كان حافظ الأسد قد انخرط في العمل السياسي في اللاذقية قبل انعقاد المؤتمر الأول للبعث في نيسان 1947 وكان بعض المدرسين في الثانوية الرسمية وبعض الطلاب الأكبر منه سناً يتناقلون الأفكار القومية والاشتراكية السائدة آنذاك وبرز اهتمامه بالقضايا العامة منذ تلك الفترة ( أثناء الحرب العالمية الثانية وقبل جلاء الفرنسيين عن سورية )، وساهم في المظاهرات ضد الحكم الفرنسي وفي النشاطات السياسية من أجل الجلاء وبعد ذلك انتخب في لجنة طلاب محافظة اللاذقية ، وقاد حركة الطلاب في المحافظة بصفته رئيساً لهذه اللجنة ، وقد كان النضال من أجل قضية فلسطين وغيرها من القضايا العامة هو الوجه البارز للعمل السياسي .
انتسابه الى حزب البعث العربي الإشتراكي:
ـ انتسب في تلك الفترة إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ( نحو عام 1946 ) وناضل في صفوفه عندما كان الحزب يخوض الصراع ضد السياسة القديمة، ولم يكن اختياره لحزب البعث أنه انتقى الخيار الصحيح والسليم فقط بل معناه أيضاً، وهذا هو الأهم أن حزب البعث العربي الاشتراكي اكتسب دليلاً كبيراً على أنه الخيار الصحيح بسبب انتساب شاب يافع،له شخصية القائد كحافظ الأسد لصفوفه، وهذه هي فحوى العلاقة المتناسقة بين الاستعداد الفطري السليم والتنظيم السياسي السليم، وهذه هي فحوى العطاء المتبادل بين القائد والأداة الثورية الجماهيرية المنظمة، فلقد اكتسب الشاب حافظ الأسد بانتسابه للحزب بعداً جديداً ، أساسياً ، يكمل شخصيته الفذة، واكتسب الحزب بانتساب حافظ الأسد له رباناً ماهراً وشجاعاً كان دائماً وحسب موقعه في صفوف هذا الحزب يعمل على توجيه السفينة الاتجاه الصحيح، إلى أن جاءت الحركة التصحيحية نتاجاً لهذه التجربة المتراكمة، فكان أن تبوأ حافظ الأسد دفة القيادة باعتبارها تطور طبيعي لدوره في الحزب منذ تأسيسه .
انخراطه في الجيش العربي السوري :
ـ حصل على شهادة الدراسة الثانوية للفرع العلمي من ثانوية اللاذقية وتطوع في الكلية العسكرية في عام 1952 واختار الكلية الجوية وتخرج منها ملازماً طياراً في مطلع عام 1955 بعد أن نال المرتبة الأولى في الطيران العملي في كل سنة من سني الدراسة ، وعند التخرج حصل على بطولة الألعاب الجوية ونال كأس البطولة.
ـ اتبع دورات عسكرية كطيار قتال على مختلف أنواع الطائرات ودورة طيار قتال نهاري وليلي ، وأوفد في بعثات دراسية خارج القطر العربي السوري فاجتاز بدرجة امتياز دورة قائد سرب في عام 1959 وحصل على شهادة دورة أركان طيران عام 1964 بامتياز .
ـ عاش حافظ الأسد تجربة الوحدة بين سورية ومصر، عاشها طياراً، وعاشها مناضلاً، فانتدب للخدمة في أحد أسراب القتال الليلي في القاهرة أثناء الوحدة بين القطرين الشقيقين سورية ومصر .
نضاله من أجل الحفاظ على الوحدة:
أبعد عن القوات المسلحة في 2 / 12/ 1961 ونقل إلى إحدى الوزارات المدنية بعد مؤامرة الانفصال ( أيلول 1961 ) نتيجة مواقفه النضالية المضادة للانفصال إلا أن ذلك لم يثنه عن عزيمته، فتابع النضال ضد الانفصال وكان رائداً في التنظيم النضالي وقيادته إذ ساهم بفعالية في النضال السياسي لإسقاط حكم الانفصال وكان من قادة التنظيم السري الذي قاد ثورة الثامن من آذار عام 1963 ، كعضو في اللجنة العسكرية التي تولت القيادة السياسية والعسكرية، حيث كان العنصر الأهم في اللجنة العسكرية القيادية التي تقود القوات المسلحة حزبياً وسياسياً، والأبرز فعالية وتأثيراً بين أعضائها فكان له الدور الأساسي والنشط في الاتصالات المكثفة التي هيأت لثورة آذار المجيدة وفجرتها، ولاسيما أن هذه الاتصالات جاءت تتويجاً لمرحلة نضالية صعبة برزت فيها قدرة القائد الخالد حافظ الأسد على ابتكار صيغ ملائمة للاتصال والتنسيق مع رفاقه البعثيين في عهد الوحدة أثناء وجوده في مصر وبعد ذلك في عهد الانفصال .
ـ تجلى تأثير القائد الخالد حافظ الأسد وقيادته الحزبية ذات البصيرة في دوره الذي سبق ثورة آذار، وفي جمع الطاقات الحزبية المبعثرة، وحفاظه على وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية، ويتأكد ذلك كله من خلال مواقفه من قادة اليمين في المؤتمر القومي السادس عام 1963 .. ومقرراته، ثم موقفه الحازم والمؤثر في حركة 23 شباط 1966 .. وبعد ذلك في موقفه من القضاء على مؤامرة أيلول 1966 .. وتجلى موقفه الجريء في المؤتمر القطري الرابع والقومي العاشر عام 1968 .. وفي المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي عام 1969 .. والعاشر الاستثنائي عام 1970 .. ضد القيادة المناورة والمتسلطة وممارساتها الخاطئة.
ـ شغل مناصب رئيسيـة فـي قيادتي حزب البعث العربي الاشـتراكـي (القومية والقطرية) منذ ثورة الثامن من آذار .
ـ كان له الدور البارز في إنجاح حركة 23 شباط 1966 ..التي أبعدت عن مسيرة الحزب الاتجاه اليميني .
ـ وفي الوقت نفسه كان يقوم بمهام ضخمة في قيادة القوات المسلحة فقد قاد قاعدة جوية فور عودته إلى القوات المسلحة مع ثورة الثامن من آذار .
ـ رقّي إلى رتبة لواء طيار في 2 / 12 /1964 وعين قائداً للقوى الجوية والدفاع الجوي.
ـ سمي وزيراً للدفاع إضافة إلى قيادة القوى الجوية وذلك في 23 / 2 / 1966 .
ـ رفع إلى رتبة الفريق الجوي في 1 / 7 / 1968 .
ـ تولى منصب رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع في 21 ـ 11 ـ 1970 بعد قيامه بقيادة الحركة التصحيحية التي أدت إلى انفتاح الحزب على جماهير الشعب وعلى الوطن العربي وأعادت الحزب لجماهيره، والتفاف الجماهير حول الحزب وقيادته ودشنت هذه الحركة المباركة عهداً جديداً في حياة حزب البعث والنضال العربي عموماً فالتقى بالشعب والتقى الشعب به لخوض معارك جديدة رفعت مقام سورية عالياً، وسمحت للحزب أن يمضي قدماً في تجسيد مواقفه القومية .
ـ لقد اجتاز حافظ الأسد كل الصعاب التي مرت به منتصراً واستلهم الحزب وألهمه، وقاده إلى النصر، وكان في هذا ينصر طموحات القومية العربية، الباحثة عن مسلك مضيء وعن قائد يقودها إلى أرض صلبة .
انتقاله الى رحمة الله تعالى :
ـ انتقل إلى رحمته تعالى في العاشر من حزيران عام 2000 .. إذ وقع في ذلك اليوم المصاب الأليم الذي هز أعماق الشعب والأمة لأنه كان الملهم والموجه والمعلم وفي طليعة مناضلي البعث وأكثرهم عطاءً وتضحية، كان القائد الذي جسد فكره وقيمه ونضاله آمال الشعب وأهداف الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء ترك رسالتك وفق معاييرك التربوية