تُرى ما الذي يجمع أهرامات الجيزة وصورة الموناليزا وبيبسي وتويتر؟ ربما أنّ النظر إليهم مُريح للعين مثلًا. والسؤال الأهم هنا، ما السبب وراء جعل الرؤية إليهم مُريحة للعين؟ حسنًا، هناك ما يُسمى بالنسبة الذهبية، وهي التي تُضفي حالة من الجمال على الأشياء عند تصميمها باستخدام هذه النسبة، مما يجعل التركيب العضوي للأشياء أو الأشخاص مُرضي للعين. لنتعرف من خلال مقالنا هذا على النسبة الذهبية.
النسبة الذهبية
النسبة الذهبية أو الرقم الذهبي 1.618 رقم بسيط في شكله وللوهلة الأولى يعد رقمًا عاديًا جدًا، ولكن في حقيقة الأمـــر يعتبر من أكثر الأرقام إثارةً للجدل على مر التاريخ، فهي نسبة تُكسب كل عمل نقوم به في شتى مجالات الحياة -إذا ما استخدمناها- جمالًا وإتقانًا وتجعل منه عملًا إبداعيًا. (وهي إحدى مقاييس الجمال وأحد أسرار الجمال من حولنا في هذا الكون). هل تعرف لماذا ضُرب المثل في الحمال بنفرتيتي (كانت ملكة مصرية)؟ أجل، لأنّ تمثالها يبرز مدى تناسق نسب وجهها وكان وما زال مثالًا على الجمال.
فالتناسب المبني علي الاتزان بين الأطوال -حتى ولو لم يكن باتباع أي قواعد
نسبية- سر يتبعه كل من يهدف إلى الإتقان والإبداع ويعطي جمالًا ورونقًا خاصًا ويلفت الأنظار، وسعيًا من الإنسان للوصول لمقياس دائم لعلم الجمال (فعند اكتشاف النسبة الذهبية واكتشاف أنها مقياس لكل ما هو جذاب وجميل ومريح للعين وأنها مقياس لمدى الدرجة الابداعية التي يقع بها العمل) اكتشـف أنّ تلك النسبة متواجــدة في كل شيء حوله في الطبيعــة بدرجة مدهشـة، مما يعطي الطبيعة رونقــًا خاصًا وجمالًا لا يُضاهى، وحتى الكائنات الحية في الطبيعة -وفي مقدمتها الإنسان- كانت مبنية في تكوينها على أساس إبداعي وتناسق لا يضاهى بين تركيبة أجزاء أجسامها وتواجـــــد كبير جدًّا للنسبة الذهبية عند الاطلاع عن قرب لمختلف الأشياء من حولنا.
هذا الموضوع وهذه النسبة تُهم أيضًا كل من له هواية ومواهب فنية في التصوير والرسم والعمارة والديكور وغيرهم ممن يبتكرون الأشياء القيمة والجميلة. فمن جماليات أي عمل، ابتكاري وجود نسبة وتناسب فيه حتى ولو لم يستخدم الرقم الذهبي، فتجعل العمل جذاب ويلفت الأنظار إليـه وحتى أنه يبعث على الراحة النفسية في المجالات الفنية السابق ذكرهـا.
قيمة النسبة الذهبية
النسبة الذهبية ببساطة عبارة عن: “تناسب لأطوال” بين قيمتين عدديتين تحققان تلك النسبة (أن تكون نسبة الطول كاملًا للجزء الكبير منه، مثل نسبة الجزء الكبير للصغير). فلو افترضنا أن لدينا سلك بطول معين وتم تقسيمه لجزئين بنسبة 1:2، فنسبة الطول الكلي للسلك إلى الجزء الأكبر منه تساوي نسبة الجزء الأكبـر إلي الجزء الأصغـر. وقيمة النسبة الذهبية يعبر عنها بالثابت الرياضي(1.61803399). ويُعبر عنها بالحرف الإغريقي “فاي” (φ أو ϕ).
معروف أيضـًا أنّ النسبة غير مرتبطة بالخطوط المستقيمة فقط، فلها أشكال متعددة وتسميات مختلفة فمثلًا هذا الشكل اللولبي الشهير يقوم بأكمله على النسبة الذهبية، بل إنه يوظفها أكثر من مرة بشكل متداخل يتصاغر مع كل انحناءة، وعلى هذا يمكننا القياس في المجالات الفنية الواسعة التي يمكن استغلال النسبة في تجميلها، من رسوم ومنحوتات ومباني وكل شيء يراد منه أن يكون جميلًا.
اكتشاف النسبة الذهبية
أدرك النبشر هذه النسبة منذ زمن بعيد، ويتضح ذلك جليًا من خلال أهرامات الجيزة المُصممة على أساس هذه النسبة، لكن كتعريف أو تسمية النسبة الذهبية أو الرقم الذهبي أو الرقم فاي كلها مسميات بدأت في الظهور بعد أن عمل ليوناردو فيبوناتشي على عمل المتتالية الشهيرة والمسماة باسمه (متتالية فيبوناتشي Fibonacci number). وأرقام المتتالية علي النسق التالي: 0, 1, 1, 2, 3, 5, 8, 13, 21, 34, 55, 89, 144..إلخ. بحيث أنّ كل رقم هو نتاج مجموع الرقمين السابقين له، ويقترب ناتج قسمة كل رقم بما قبله من 1.618 شيئًا فشيئًا.
النسبة الذهبية في الطبيعة
- المسافة بين أعلى رأس الإنسان إلى أخمص قدميه مقسومة على المسافة من السرة إلى الأرض تعطي النسبة الذهبية.
- والخصر للأرض مقسومًا على الركبة للأرض يُحقق النسبة الذهبية.
- والمسافة من الكتف لأطراف الأصابع مقسومة على المسافة من الكوع لأطراف الأصابع تعطي النسبة الذهبية.
- المسافة بين الورك الى الأرض مقسمة على المسافة بين الركبة والأرض تعطيك نفس الرقم الذهبي. وحتى في وجه الإنسان وأدق التفاصيل تخضع للنسبة الذهبية.
النسبة الذهبية في النبات والحيوان
النسبة الذهبيــة عبر بعض العصــور (هندسة العمارة)
الحضارة الفرعونية
هناك من ينسب أول معرفة للنسبة الذهبية للعصر الفرعوني ويدللون بذلك علي استخدام الفراعنة لها في الأهرامات وبالأخص الهرم الأكبـر، كما يتضح في الصورة التالية:
حيث أظهرت الدراسات الحديثة التي أجراها العلماء أنّ الهرم الأكبر خوفـو يخضع لقوانين هذه النسبة، حيث إنّ النسبة بين المسافة من قمة الهرم إلى منتصف أحد أضلاع وجه الهرم، وبين المسافة من نفس النقطة حتى مركز قاعدة الهرم مربعة تساوي النسبة الذهبية.
ويشير هيرودوت إلى التناسبات القائمة في الهرم بقوله: “لقد أعلمني الكهنة المصريون أنّ التناسبات المُقامة في الهرم الأكبر بين جانب القاعدة والارتفاع كانت تسمح بأن يكون المربع المُنشأ على الارتفاع يساوي بالضبط مساحة كل من وجوه الهرم المثلثة”، ويشار أيضًا إلى أنّ غرفة الملك في هرم خوفـو تحقق النسبة الذهبية.
الحضارة اليونانية
ظهرت أيضًا في الحضارة اليونانية القديمة عن طريق إحدى نظريات إقليدس حين طرح فكرة تقسيم قطعة مستقيم إلى قسمين بحيث AC/CB = AB/AC، ومع الرياضي اليوناني فيثاغورس حيث أجرى الدراسات والأبحاث في علوم الطبيعة لدراسة معايير الجمال وعلاقات النسب في الطبيعة، وتوّصل إلى ما يُعرف بالمستطيل الذهبي:
النسبة الذهبية في الفنون
فن الرسـم
قام بعض مشاهير الرسم بمراعاة هذه النسبة في أعمالهم وهناك أمثلة على ذلك، مثلًا ليوناردو دافينشي الذي راعى تلك النسبة في لوحتــه الشهيرة “موناليزا” وقد كان من المهتمين كثيرًا بالنسبة الذهبية. وأيضًا في لوحة العشاء الأخيـر نفس التناسق الرائع للنسبة الذهبية.
وأيضًا كان الفنان لاورانس ألما-تاديما مهووسًا بتلك النسبة ووظفها بشكل متكامل في لوحتــه (The Roses of Heliogabalus) وفي الرسم المعاصر، اشتهر الرسام (سيلفادور دالي) باستخدام هذه النسبة وبالأخص في لوحته (The Sacrament of the Last Supper) التي تحوي عددًا من الاستخدامات لها. إلى جانبه يأتي “موندرين” فنراها في رسوماته مثل “Broadway Boogie Woogie” و الـ “Comp RYB”.
فن التصويـر الفوتوغرافي
يعتمد التصوير الفوتوغرافي في المقام الأول على حس الخيال الواسـع والتذوق الفنـي، وإن تم تطبيق النسبة الذهبية فيه فسيعطي انطباعات خيالية وسيعبر بشكل كبير عن أحاسيس الصورة. وهناك عدة أساليب لتطبيق النسبة الذهبية في الصور.
- الأثلاث الذهبية: مشابهة لقاعدة الأثلاث الشهيرة ولكن الأبعاد ليست متساوية تماماً بل هي على قدر (1:618:1). وعلى هذا التقسيم يتم تحديد موضع الجسم المراد تصويره. بحيث يكون العنصر الأهم موجوداً بالضبط على أحد تقاطعات الخطوط الأربعة.
- المثلثات الذهبية: ملائمة أكثر للصور ذات الخطوط المائلة. هنالك مثلثات ثابتة وعليه يضع المصور أجسامه بشكل تقريبي بمحاذاة تلك المثلثات والخطوط الذهبية.
- الالتواء الذهبي: يجب أن يكون هنالك شيء ما في الصورة يتبع هذا الالتواء الذهبي ويقود العين نحو المركز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء ترك رسالتك وفق معاييرك التربوية