ما يجري في البحرين... يخالف قوانين الارض والسماء


عندما انطلقت الثورة التونسية في مطلع العام الحالي لم يتوقع احسن المتفائلين بالربيع العربي ان تنتشر الثورة كانتشار النار في الهشيم لتزلزل بنيان العديد من الانظمة العربية البالية من المحيط الى الخليج، والتي مرَّ عليها الزمن بالخضوع الى ارادة اعداء الامة من واشنطن الى تل ابيب.

وسرعان ما وصلت حرارة الثورة الى مملكة البحرين خلال شهر شباط-فبراير الماضي، حيث الشعب هناك يغرّد بعيدا جدا عن ترف العائلة الحاكمة وجلاوزتها فعانى كثيرون من الافقار وسلب حقوقهم الطبيعية والاتيان بأجانب لاحلالهم محل ابناء البلد في الاعمال حتى بات البحريني غريبا في داره والمجنّسون اصحاب حقوق.


صمت سافر مريب

والمتتبع لاحوال البلاد العربية قبل زمن الثورة يعلم ان حال شعب البحرين لا يختلف ابدا عن احوال الشعوب العربية التي ثارت وتلك التي تنتظر عطر الثورة لتتنشقه وتغير حالها بعبق الحرية.

فهذه الشعوب كلها دون استثناء عاشت سنين طويلة من الظلم والقهر والجبروت، حقوقها مسلوبة وحرياتها مصادرة ولا صوت يعلو فيها فوق صوت الجلاد. وليس من الصعب على المتتبع لاحوال الثورات العربية ان يلاحظ اوجه الشبه بين كل هذه الثورات العربية، سواء في القمع والقسوة التي مورست ضد الثوار وكيفية تعسف الانظمة وقمعها لحريات الناس ومنعهم من التعبير عن رأيهم بالاضافة الى اعلان التأييد الدولي والغربي للثوار والانتقاد الموجه للانظمة المستبدة.

كما انه ليس عسيرا على من يريد ان يلاحظ اوجه الاختلاف في التعاطي مع الثورة في البحرين عن غيرها من الثورات العربية، فهذه الثورة رغم انها كغيرها من الثورات العربية تَعَرَّضَ فيها الثوار للقتل والقمع والتنكيل، لم تلق التأييد المناسب او بالاقل التأييد والدعم الدولي والعربي والاسلامي الذي لقيته –ولو بالتصريحات- باقي الثورات العربية، فكثير من المنابر الدولية والعربية الرسمية منها وغير الرسمية والمنابر الاعلامية العربية والاسلامية تعلن انها تؤيد الثوار العرب في اكثر من بلد عربي حتى تصل الى البحرين فيسود صمت سافر مريب، واكثر من ذلك فإن بعض الانظمة ووسائل الاعلام ورجال الدين هاجموا الثورة البحرينية وثوارها واعتبروها ثورة طائفية، ولكن لماذا كل ذلك؟

فهل ثوار البحرين يعتدون على النظام "المسالم" هناك؟ هل ثوار البحرين يخرّبون الاستقرار والامن الذي جَهِدَ النظام "السلمي" بتأمينه؟ هل ثوار البحرين يضيّعون فرص العمل التي وفّرها لهم النظام المجتهد هناك؟ هل ثوار البحرين يخرّبون التطور الذي حققه النظام العلمي هناك؟



لماذا التعاطي المختلف مع ثورة البحرين؟

والسؤال المطروح لماذا هذا التعاطي المختلف مع ثورة شعب البحرين؟ مع العلم ان النظام الحاكم هناك لا يختلف ابدا عن الانظمة في اكثر من قطر من اقطار الوطن العربي.

وبكل الاحوال يمكننا ان ننظر بعين مجردة وبصورة موضوعية الى ما يجري على ارض الواقع في البحرين، لتحديد حقيقة كيف يجب الحكم على ثورة الشعب البحريني وعلى تصرفات الحكام والنظام هناك؟

ففي المعلومات الواردة من البحرين والصور والمشاهد التي تبثها وسائل الاعلام المختلفة فإن اعمال القتل والقمع والاعتقال لم تتوقف منذ انطلاق الثورة السلمية المطالبة بحقوق مشروعة وبسيطة لاي انسان، وقد اشتدت هذه الاعمال الاجرامية التي تقوم بها اجهزة الامن البحرينية مع تدخل القوات العسكرية السعودية المتمثلة بــ"درع الجزيرة" ومن ثم تدخل القوات الخليجية بقرار من "مجلس التعاون الخليجي".

ولم تتوقف الجرائم بحق الشعب البحريني فمن إطلاق الرصاص الحي على التظاهرات السلمية الى اقتحام الاحياء والمنازل الآمنة في انتهاك واضح لخصوصية الناس في بيوتهم، بالاضافة الى اقتحام المدارس واعتقال المعلمات والاساتذة وترويع الطلاب في مدارسهم، ناهيك عن اقتحام المستشفيات لملاحقة جرحى التظاهرات ومعاقبة الاطباء والممرضين الذين يشاركون في إسعاف الجرحى، حتى وصل الاجرام بالقوات المحلية والخليجية الى انتهاك حرمة المساجد والحسينيات وهدمها والاعتداء على قداسة القرآن الكريم بإحراقه وتمزيقه وصولا الى الاعتداء على حرمة وكرامة القبور ونبشها والتمثيل بالجثث والرفاة الموجودة فيها.

فهل كل ما سبق ذكره هو اعمال مباحة ويجوز القيام بها من قبل اجهزة الامن المرابطة في البحرين وما الوصف القانوني لهذه الاعمال؟ وما الوصف القانوني الدولي لتحركات الشعب البحريني؟ وما هو موقف القانون الدولي من كل ذلك؟


للاجابة على هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى الخبير في القانون الدولي الدكتور محمود رمضان الذي اكد في حدث لموقع قناة "المنار" الالكتروني ان "ثورة الشعب البحريني السلمية تؤيدها جميع إعلانات حقوق الانسان في العالم والمبادئ القانونية التي قامت عليها والتي اقرّتها كل الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية ابّان الاستقلال الاميركي وفرنسا ايام الثورة الفرنسية"، ولفت الى ان "الثورة البحرينية السلمية تندرج ضمن الحق بالتعبير والحق بالتجمع اللذان يعتبران من الحقوق الطبيعية لكل انسان والتي لا يمكن سلبها لاحد لاي سبب من الاسباب وتحت اي مسمى من المسميات"، واضاف ان "شعب البحرين عبّر عن رأيه بدون اي استخدام للعنف بوجه الحاكم والنظام الذي يمارس الظلم ضد شعبه"، مشيرا الى ان "هذا الحاكم بدل ان يستمع الى مطالب شعبه ويعمل على تنفيذها او بالاقل التحاور الايجابي مع المواطنين من دون مناورة لجأ الى استخدام العنف والقوة سبيلا لانهاء الاحتجاجات ضده في مخالفة واضحة للقانون الدولي".



وحول التدخل العسكري السعودي ومن ثم الخليجي في البحرين ومدى قانونية هذا الامر بحسب رأي القانون الدولي وما اذا كان امرا جائزا او مخالفا للقانون .... ان "التدخل العسكري السعودي في البحرين لقمع الشعب هناك جاء سابقا لقرار مجلس التعاون الخليجي بإرسال قوات خليجية الى البحرين"، واضاف ان "قرار مجلس التعاون لارسال قوات خليجية جاء للتغطية على القرار السعودي معللا ذلك القرار انه مستند الى النظام الاساسي ولاتفاقية الدفاع بين دول المجلس"، واكد ان "هذا التدخل مخالف لميثاق الامم المتحدة حيث ان الفقرة السابعة من المادة الثانية من هذا الميثاق لا يجيز لغير الامم المتحدة بالتدخل في شؤون دولة آخرى".



التدخل الخليجي بالمفهوم القانوني الدولي هو إعلان حرب على الشعب البحريني

واوضح رمضان ان "الحماية المقررة في نظام مجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس تقر الحماية لدولة من دول المجلس من قبل باقي الدول فيما لو تعرضت هذه الدولة لخطر اجنبي خارجي او اعتداء عليها وليس للتدخل بقصد قمع شعب من شعوب هذه الدول الاعضاء كما حصل في البحرين".



واكد الخبير القانوني ان "هذا التدخل بالمفهوم القانوني الدولي هو إعلان حرب على الشعب البحريني لانه غير مبرر حيث ان لا خطر خارجي على البحرين كما انه تمَّ استخدام العنف المفرط ضد الشعب البحريني"، مشددا على ان "هذا التدخل يعتبر جريمة دولية تسمى بحسب الفقه الدولي جريمة عدوان يعاقب بناء عليها المسؤولون السعوديون لمسؤوليتهم عن عدوان مبرمج لقتل الشعب البحريني استنادا للقانون الجنائي الدولي".




انتهاك حرمة المساجد وحرق القرآن الكريم تشكل "جريمة حرب"

وحول انتهاك حرمة المساجد والحسينيات والقبور واحراق القرآن الكريم وهل ان ذلك يشكل جريمة حرب بحسب رأي القانون الدولي وما التوصيف القانوني الدقيق لهذه الافعال، قال رمضان إن "سحق الشعب البحريني وقتله والاعتداء على مقدساته من مساجد وحسينيات وحرق للقرآن الكريم وتمزيقه وانتهاك حرمة القبور والقيم التي يعتقد ويؤمن بها الشعب البحريني كل ذلك يشكل جرائم حرب استنادا لاتفاقيات جنيف الصادرة في العام 1949 وبروتوكوليها في العام 1977"، ولفت الى ان "هذه الاتفاقيات تحظّر القيام بما يسيء الى معتقدات الانسان وافكاره وكرامته وقناعاته والاعتداء عليه بناء على لونه او دينه او انتمائه لمذهب معين يشكل بناء للمادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الانسانية وجريمة إبادة".



واستنادا الى ذلك يكون ما جرى ويجري في البحرين ينطبق عليه الجرائم الثلاثة التالية: جرائم ضد الانسانية وحرب وإبادة.

جريمة حرب: هي الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 وانتهاكات خطيرة آخرى لـ"قوانين الحرب"، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي.

جريمة الابادة: هي الخروقات والانتهاكات التي تستهدف القتل الجماعي المنظم ضد جماعات على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي.

الجريمة ضد الإنسانية: تعني أي فعل من الأفعال الجرمية التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين كالقتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد أو النقل القسرى للسكان وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها.

سبل حماية الشعب البحريني وملاحقة المسؤولين

وحول سبل حماية الشعب البحريني انطلاقا من القانون الدولي من الجرائم التي ترتكب ضده ان "لمواجهة هذه الجرائم ووقفها من المفترض ان يتحرك مجلس الامن الدولي إلا ان هناك قصور جدي في هذا المجال خصوصا ان مجلس الامن يخضع للهيمنة الاميركية التي تمنع تحركه"، مشيرا الى انه "كان يفترض على مجلس الامن التحرك بناء على المادة 13 من نظام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة الحكام في البحرين والمسؤولين السعوديين"، وتابع ان "المطالبات الاميركية التي جاءت متأخرة جدا لاجراء تحقيقات حول ما جرى في البحرين هي محاولات لذر الرماد في العيون والقول ان اميركا والغرب يؤيدون حقوق الانسان".


ولكن بما ان كل هذه الجرائم قد ارتكبت ولا تزال ضد شعب اعزل مسالم في البحرين من قبل قوات امنية وجيوش مدججة بأحدث الاعتدة والاسلحة كيف يمكن ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم في البحرين؟ وما السبيل لملاحقة من يثبت تورطه في هذه الجرائم بحسب القانون الدولي؟ وكيف يمكن تحريك دعوى الحق العام على الصعيد الدولي على المتورطين بهذه الجرائم؟ يلفت الخبير القانوني الى انه يوجد على الصعيد الدولي ثلاثة طرق لملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم وهذه الطرق هي:


اولا: ان تقدّم إحدى الدول(الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية) شكوى او اخبار موثق بالصور والادلة(وهي منتشرة في وسائل الاعلام والانترنت) الى المدعي العام الدولي في المحكمة الجنائية الدولية الذي يدقق بالادلة واذا ما اعتبر ان هناك جرائم من الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة(ضد الانسانية وحرب وإبادة) يبدأ بالتحقيق لتحريك الدعوى العامة على من يثبت تورطه بعد مراجعة قسم الاجراءات التمهيدية في المحكمة.


ثانيا: مجلس الامن بحد ذاته له ان يضع يده على اي جرم يرتكب كالجرائم التي وقعت في البحرين وان يتحرك تلقائيا لاحالة الموضوع على المحكمة الجنائية الدولية وهنا يتوجب على المدعي العام المباشرة بالتحقيقات اللازمة لملاحقة المتورطين.



ثالثا: ان يقوم المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية مباشرة ومن تلقاء نفسه بوضع يده على القضية ومباشرة التحقيقات اللازمة وملاحقة المسؤولين سواء قدّمَ اليه اخبار او شكوى ام لا لان الصور والمشاهد والمعلومات تعتبر كافية وتتيح له وضع يده على القضية.



ان "الوضع الذي يتحكم بالبحرين والجرائم التي ترتكب هناك هو وضع سياسي بامتياز وذلك يعود لهيمنة الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الاميركية الداعمة للنظام الحاكم في البحرين على القرار السياسي والقضائي الدولي"، وهذا بالطبع ما يغطي شكلا لا مضمونا كل الجرائم التي ترتكب ضد الشعب البحريني.




من كل ذلك يمكننا تصّور الحياة الدموية والبوليسية التي يعيشها الشعب البحريني الذي يقتل بدم بارد من دون ان نسمع اي كلمة لمساندته او لاستنكار جرائم ذلك النظام رغم ان الحق بيّن وواضح وكذلك الظلم والجبروت، وكل ذلك لان لغة القوة وشريعة الغاب هي التي تتحكم في العالم مع نسيان شعارات حقوق الانسان التي يتغنى بها البعض بحسب مصالحه وتحالفاته فيتضح التعاطي المزدوج المعايير الذي يقلب الحق باطل والباطل حق، لكن لا بدَّ ان يأتي يوم ولعله قريب جدا يحمل معه الفرج وتنتصر فيه راية الحق وصرخة المظلومين بوجه كل السلاطين الفاجرة.




Bookmark and Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء ترك رسالتك وفق معاييرك التربوية