أنت حر ما لم تضر النظريات والنماذج المعاصرة المفسرة لظاهرة تعاطي المخدرات | ِAlmelhem

أفضل موقع عربي في جودة المحتوى ودقة المعلومة

00

آخر الأخبار

النظريات والنماذج المعاصرة المفسرة لظاهرة تعاطي المخدرات

بتاريخ 4:47 م بواسطة ADMIN

النظريات والنماذج المعاصرة
المفسرة لظاهرة تعاطي المخدرات

د. مليكة بن زيــان                                    أستاذة
محاضرة قسم "أ"

                                                             
جامعة 20 أوت 1955 سكيكدة

التحليل النفسي إلى الإدمان على المخدرات  باعتباره  بديلا للشبقية
الطفلية ونكوصا إلى المرحلة الفمية إذ يسعى المدمن بإدمانه إلى الحصول على
خبرة سارة من تعاطيه المخدر ثم بعد مرور الوقت و عند زوال أثر المخدر تتحول إلى
خبرة غير سارة، وهي النقطة التي تدور حولها معظم الأشكال الإدمانية ، وفي هذه
الدائرة تشبع  الرغبة في اللذة ولكن بمصاحبة الشعور بالذنب وانخفاض تقدير
الذات التي ينتج عنها قلقا غير محتملا ، يؤدي بدوره إلى تكرار سلوك الإدمان ، وهكذا
تستمر الدورة، ومن هذا المنظور  يكون الإدمان على المخدرات مثالا للتكرار
القهري أي أن المدمن يتعلق بالمخدر تعلقا قهريا ولا يستطيع التخلي عنه، لكنه يبذل
محاولات للسيطرة على المشاعر المؤلمة  لأجل استعادة تقدير الذات ، لأن المخدر
يعطي له شعورا زائفا بامتيازه عن غيره من الناس الذين ينظر إليهم على أنهم أدنى
منه في كل الأمور وفي المقابل يكون شعوره مصحوبا بالعطف والود العميق للأشخاص
الذين يتعالى عليهم لأنهم بضآلتهم يؤكدون ويزيدون من شعوره بالأهمية وبالتالي
تقديره لذاته.


 والمدمن هنا يغير من نفسه بدلا من
أن يغير 
من واقعه ومن عالمه، وهذا التغير الذي يحدثه له المخدر يتيح له إعادة بناء عالمه بطريقة  سحرية وهمية تمكنه من التكيف مع واقعه بطريقته الخاصة ، كما ترجع كذلك إلى الحاجة إلى الأمن وإثبات الذات اللذان يرجعان إلى اضطراب النمو في المرحلة الفمية وما تتطلبه من إشباع الحاجة إلى الطعام و الدفء والحب، مما ينتج عنه نكوص إلى تلك المرحلة التي حرم فيها من الإشباع البيولوجي ، مما يؤدي إلى تناول المخدر كبديل للإشباع المفقود في تلك المرحلة و وجود المخدر مع المدمن يمثل وجود الطفل بجنب أمه فكلاهما – الأم والمخدر - يجلب الراحة والأمن الطمأنينة للشخص طفلا كان أم مدمنا على المخدرات.

وبناء على ذلك  فإن سيكولوجية الإدمان تقوم على أساسين هما :

1.   الصراعات النفسية
التي ترجع إلى الحاجة إلى الإشباع الجنسي النرجسي الذي يرجع أساسا إلى اضطراب
علاقة الحب والإشباع العضوي وبخاصة في المرحلة الفمية والحاجة إلى الأمن ، والحاجة
إلى إثبات الذات وتأكيدها ،وتكرار التعاطي يعني الفشل في حل تلك الصراعات وإشباع
هذه الحاجات ، ويذكر كريستال
وراسكين
Krystal
&
Raskin أن المدمن على المخدرات هو شخص لديه صعوبات
كبيرة في التعامل مع نفسه بطريقة طيبة ، وفي التعامل مع مشاعره الإيجابية والسلبية
تجاه الآخرين بسبب دفاعات جامدة ومتعددة مثل الإزاحة ، وأيدا أنه يتناول المخدر
ليس للمساعدة في الدفاع ضد مشاعره فحسب، ولكن ليشعر بالأمان والتوحد مع موضوعات
محبوبة لديه تكون عادة محرمة
.

2.   يتمثل في التركيب
النفسي للمدمن الذي يحدث حالة الاستعداد ومن ثم يأتي الدور الذي تلعبه آثار المخدر
الكيمائية و خواصه ، أن الحالة العادية للمدمن تتميز بأنها ذات طابع اكتئابي
، وأن المرحلة التي ينتمي إليها سلوك متعاطي المخدرات هي المرحلة الفمية
المتأخرة وهي مرحلة شبيهة بالمرحلة التي ينتمي إليها المرضى بذهان الاكتئاب ،
وأن حالة النشوة التي يحققها التخدير تتميز بانطلاق أخيلة تساعد على تفريغ قدرا
كبيرا من التوتر ، مما يؤدي إلى فرفشة 
EUPHORIE من نوع فريد ، ومرح الإدمان بمثابة ميكانيزم دفاعي للتغلب على الاكتئاب والتخلص منه وبذلك فهو هوس صناعي مقابل للهوس التلقائي في ذهان الاكتئاب .

ويؤيده رادو  Rado  بقوله إن الإدمان على المخدرات قائم على قدرة العقاقير في التأثير على مشاعر الفرد في مواقف الكآبة أو الضيق النفسي ويؤكد أن للاكتئاب دور أساسي إذ يجعل المدمن يشعر بالتأثير الفارماكولوجي pharmacologie السار الذي تحدثه العقاقير ، فأثناءها تزداد خبرات الفرد بتقدير الذات وتحسين المزاج. 

MC CLELLAND- أما ماكليلاند  صاحب نظرية الإعتمادية فيرى أن الذكورة المبالغ فيها تكون رد فعل ضد حاجات الإعتمادية الأساسية الذي يشعر بها الذكر، ويفترض أن مرحلة ما قبل إدمان الكحول تصاحبها رغبة أولية أو حاجة اعتمادية ، ولكن يشعر الفرد بالخجل من هذه الرغبة ،فالذكر في مرحلة ما قبل إدمان الكحول يرغب في الرعاية الأمومية والانتباه إليه ، وفي نفس الوقت يريد أن يتحرر من هذه العناية وهذا بدوره يؤدي إلى صراع اعتمادي له أصوله في خبرات الطفولة ، فالمظهر الكاذب للرجولة ذات الثقة في النفس يتطور لكي يخفي الحاجة للاعتمادية والتعاطي يشبع حاجات الإعتمادية بتزويد الشخص بمشاعر الدفء والراحة ، والقدرة المطلقة ، فأثناء الشرب يعاد موقف العناية الأمومية ، ووفقا لذلك فإن الدافع للشرب يكمن في الرغبة لإشباع الحاجة للاعتمادية وليس للشعور بالقوة ، فإدراكات القوة هي صورة سطحية مختبئة ضمن مكافآت الإعتمادية ، وبذلك تكون الإعتمادية وليس البحث عن القوة هي المبتغى الرئيسي لإدمان.

◾ ويعتبر روزنفيلد Rosenfield أن المخدرات ترمز في حقيقة الأمر
إلى موضوع ميت أو مريض، وبتعاطيها فالمدمن يحاول أن يخفف من شعوره بالذنب، كما
يمكن اعتبارها كمحاولة انتحارية لا شعورية، أما لوبفيك
Lobofic فيركز على العناصر الاكتئابية،
والتي لاحظها عند الشباب المدمن، فيرى أن المدمن على المخدرات يعيش في دائرة
مفرغة، فمن الحاجة إلى الشعور بالذنب، ومن الشعور إلى الاكتئاب إلى الحاجة إلى
المخدر.


الحاجة إلى المخدر      الشعور بالذنب         الاكتئاب        الحاجة إلى المخدر.

 كما يوجد هناك من يربط بين الإدمان على المخدرات وغريزة الموت، حيث يدرك المدمن خارج
فترات احتياجه للمخدر آثاره التدميرية، ويترافق هذا الإدراك مع مشاعر الذنب والندم
والرغبة في الإقلاع عن الإدمان ، وعندما يشعر بالاحتياج وتسيطر عليه الرغبة في
تناول المخدر ينفذها ويشبع تلك الرغبة وبذلك يعود للتعاطي في نزعة تدمير ذاتي
تتطور مع تكرار حلقة إدراك – الندم  التعاطي - وبذلك تسيطر نزعة التدمير على
الاقتصاد النفسي الجسدي للمدمن ، وهنا تتدخل ثنائية العواطف لتفجر الرغبة في تجميد
الزمن عند لحظة النشوة بالمخدر في مقابل نزعة التدمير، وهي حالة شبيهة بما يسميه
التحليل النفسي بالعودة إلى الصفر أي الفردوس المفقود في بطن الأم ، حيث تتم
مواجهة الخوف من الموت عبر فكرة " ليتني أموت" (غريزة الموت) بفكرة
" ليتني لم أولد " (العودة إلى الصفر) ورغبة تجميد الزمن عند لحظات
السعادة هي رغبة نرجسية عامة لدى الجميع حيث يمارسها الرسام عبر لوحته والشاعر من
خلال قصيدته وكل يمارسها على طريقته .

وخلاصة القول
يمكن القول أن معظم رواد التحليل النفسي يركزون في تفسيرهم لعملية تعاطي المخدرات
والإدمان عليها على الصراعات النفسية التي ترجع أساسا إلى :

  •    الحاجة إلى الأمن.
  •   الحاجة إلى إثبات الذات.
  •    الحاجة إلى الإشباع الجنسي النرجسي في المرحلة الفمية.

فالمدمن شأنه شأن
المنفعل يغير من نفسه بدلا من أن يغير من واقعه وعالمه، وهذا التغيير الذي يحدثه
له المخدر يسمح له بإعادة بناء عالمه إعادة سحرية وهمية، ولكنها الإعادة التي
تمكنه من التكيف مع واقعه. وبهذا يلعب المخدر دور مدعم الذي يشعر المدمن بالقوة،
والقدرة على مواجهة العالم، وما ذلك إلا شعورا زائفا يخفي وراءه الضعف والخذلان.

ومن بين علماء النفس الذي تناولوا موضوع تعاطي المخدرات نجد العالم أوليفنستين Olivenstein المعروف بطبيب المدمنين ومن أفكاره الرائدة في هذا المجال نذكر المعادلة التالية:

(مادة/شخصية/لحظة
سوسيو ثقافية)، هذه العلاقة الثلاثية الأبعاد ذات أهمية بالغة في حالة ما إذا
رغبنا في مساعدة متعاطي المخدرات على الخروج من حالته، والابعاد نوضحها فيما يلي:

1-  المادة وتضم
مرحلة شهر العسل:

يشير أوليفنستين في بداية الأمر عند تنصيفه للمواد المخدرة إلى الهيروين كمادة بهيجة تمكن من الشعور بالسعادة والمتعة وتنقسم إلى أربعة أطوار هي:

  النور الساطع: عبارة عن لحظة أساسية تصقل إلى الأبد في ذاكرة المستهلك.

 الطيران: وهنا يشعر المستهلك بالتحليق داخل قوقعة، لكن مع إحساس قليل بالقلق وبآلام الحياة و الخوف من الموت.

النزول
إلى العالم الواقعي
: لكن مع الشعور بالاكتئاب والحزن مما يجعل الأشخاص الأكثر ضعفا يميلون إلى تكرار الرحلة وهنا يتم غلق الفخ حول المدمن.

B السقوط في الجحيم : يمكن للمدمن الحصول على السعادة عند استهلاك نفس الكميات المخدرة، لكن سرعان ما تتراجع حالة السعادة تدريجيا حتى تزول مما يدفع المدمن إلى مضاعفة الجرعات من أجل الوصول بعيدا من خلال الرحلة.

2-  الشخصية:
يقول أوليفنستين أننا متأكدون من زمن بعيد أن هناك أناس كثيرون أكثر عرضة للإدمان
من غيرهم كالذهانين مثلا.

3-  اللحظة
السوسيوثقافية:
هذا العنصر لا يختلف حسبه عن ما هو معروف في هذا الميدان مثل عدم التلاؤم مع النظام الأسري والنظام المدرسي، صراع الأجيال، غياب الحوار والوتيرة غير العادية لتطور الظواهر. والأهم من ذلك كما يقول هو أننا أصبحا لا نعرف أن نتكلم بالحنان، بالحب وأننا بكل أسف دائما غائبون عندما يحتاج الآخر وجودنا، وهذا قد يكون السبب الرئيسي المؤدي للإدمان.

بصفة عامة يقر أوليفنستين أن ظاهرة التعاطي هي نتيجة لقاء بين مادة وشخصية ولحظة:

المخدرات موجودة قبل المدمن وهي جامدة موجودة في كل زمان ومكان.

 يختلف موقف البشر أمام هذه المادة باختلاف الفضاء والأيديولوجية والمكان واللحظة
السوسوثقافية.

 في نفس اللجظة السوسيوثقافية يخلتف موقف الأفراد باختلاف درجة الحساسية الشخصية والتي بدورها ترتبط بالتاريخ الشخصي للفاعل أمام النقص.

كل نقص يشعر به البشر يرجع إلى نقص قديم، هذا الذي يحدد درجة الإدمان.


5-  النظرية الاجتماعية:

اهتم علماء الاجتماع بالأمراض الاجتماعية والسلوك المنحرف، ورأوا أن السلوك الاجتماعي في حد ذاته لا يمكن أن يقال عنه سلوك منحرف أو غير منحرف إلا بتقييم المجتمع له في ضوء مدى ألتزامه أو خروجه عن المعايير الاجتماعية للسلوك. ويعتبر الإدمان على المخدرات من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر على تقدم المجتمعات ورقيها، كما تؤثر على الحالة الصحية والنفسية للأشخاص المدمنين.( دعيس، 1995، ص 203-204).

أ‌-     النموذج الوظيفي: يصنف الوظيفيون الإدمان على المخدرات في خانة الانحراف باعتباره ظاهرة تزعزع استقرار المجتمع وتخل بتوازنه حيث تؤدي بالأفراد إلى الجريمة تجاه أنفسه (الانتحار) ولتفسير هذه الظاهرة طور"دوركايم" مفهوم الأنوميا الذي يعبر عن غياب (أو ارتياب) المعايير الاجتماعية وعدم احترامها... من قبل الأفراد أو الجماعات في ظل انعدام الرقابة الاجتماعية.

وتؤدي الأنوميا إلى حالة مرضية يعبر عنها "دوركايم" بمفهوم الباثولوجيا الاجتماعية التي
تدخل الأفراد في وضع شديد الهشاشة...وضيف أن الأنوميا تنتشر بصفة خاصة في الأوضاع التي تعرف تراجع المعايير القديمة حيث أن الأفرا الذين يفقدون هذه المعايير، هم نفسهم الذين يرفضون الاندماج في المعايير الجديدة.

أما "ميرتون" Merton فإنه بالرغم من اعترافه بأن الأنوميا مفهوما مناسبا جدا لتفسير ظاهرة الانحراف إلا أنه يفضل تعريف مفهوم الأنوميا بصراع المعايير وليس غياب المعايير لأن المعايير الاجتماعية موجودة حسبه في كل الحالات، إلا أنها ليست نفسها عند المنحرف وغير المنحرف، فما ينبغي أن نأخذه بعي الاعتبار هو أن للمنحرف كذلك معايير خاص به يدافع عنها.

فالأنوميا بمنظور "ميرتون" هي نتيجة تناقض بين نمطين من المعايير موجودين في ذات الوقت داخل البنية الاجتماعية: المعايير المؤسسية التي يتم تعلمها داخل المؤسسات التربوية والمعايير الثقافية، تلك التي يتم بها في الوسط الاجتماعي. وإذا كانت الأولى تعلم القيم الشرفية، فالثانية تكرس القيم المعترف بها والممارسة فعليا في الوسط الاجتماعي وتتمثل هذه القيم في نظره في النجاح المادي السريع والرفيع، في حين تقوم المؤسسات التربوية بتعليم قيم الصدق والنزاهة.( أم سعود، 2015، ص 358-360).

ويجد الانحراف تفسيره لدى الوظيفينن فيما يعبرون عنه بمفهوم الاختلال الوظيفي داخل مؤسسات المجتمع. ولقد بينت الدراسات التي قامت بها جامعة شيكاغو (Chicago) تأثير الوسط الاجتماعي على انحراف الشباب

حيث تمت الاشارة بصفة خاصة إلى التنشئة الاجتماعية وطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة داخل الأسرة والمدرسة، حيث يتفق الوظيفيون على تعريف التنشئة الاجتماعية بوصفها العملية التدريجية الت يصبح من خلالها الرضيع البشري كائنا اجتماعيا متشبعا بقيم ومعايير الجماعة وتصوراتها واتجاهاتها وكيفية إدراكها للعالم حولها ويؤك الوظيفيون وعلى رأسهم "بارسونز" على الدور التربوية للأسرة والمدرسة.

وعليه فإن الأسرة والمدرسة في تفاعلهما من أجل الحفاظ على استقرار المجتمع وتفادي الأزمات التي هي في رأي "بارسونز" نتيجة للانحرافات بكل أنواعها ينبغي أن تحقق أربع شروط: التكيف، تحقيق الأهداف، التكامل، الكمون- تنمية الدافعية الكافية لدى الأفراد لأداء الأدورا المتوقعة حسب المكانة والحفاظ على ثبات المعايير التي تتوافق مع ثقافة المجتمع-.(المرجع السابق، ص 362-364).

ب‌- النموذج التفاعلي:
ينظر التفاعليون إلى الادمان هم أيضا بوصفه شكل من أشكال الانحراف، غير أنهم يرجعون أسبابه إلى معاني ورمزية التفاعل الاجتماعي بين الفرد والجماعات المحيطة به، ويشير أصحاب هذا الاتجاه إلى مفهوم الوصمة للتعبير عن الاسم أو الصفة أتي يوصف بها الأشخاص المنحرفون أو المهمشون من قبل أولئك غير المنحرفين اجتماعيا، فالوصمة بهذا الشكل تعبير عن تصنيف اجتماعي من خلال لغة الاتصال. 
ويرى هذا النموذج أن سوء استخدام المخدرات له ثلاثة مكونات هي :

المكون الأول
: ويتضمن ضرورة أن تكون المخدرات موجودةً قبل الاستخدام.

المكون الثاني
 ويركز علي أن سوء استخدام المخدرات يتم في ضوء المجالسات التي تتم مع الناس الذين سبق لهم أن أدمنوها . وهذا الدعم السابق يجعل الفرد مقبولا داخل الجماعة بشرط عدم إعلانه عن الأنشطة التي يمارسها مع هؤلاء الناس سواء لوالديه أو لجماعات الحكم المحلي 

المكون الثالث
ويشير إلي أن الأفراد يبدءون في الاستخدام السيئ للمخدرات كاستجابة لجماعتهم المرجعية ، ويبدو ذلك واضحا عند المراهقين ، حيث التجانس الواضح بينهم في مجال اللبس والموسيقي واللغة غيرها . 

ويري أصحاب النموذج التفاعلي أن الدافع الرئيسي عند الفرد هو الرغبة في الانضمام إلي جماعة محددة خاصة يسلك فيها الفرد ويتصرف بشكل مشابه تماما لسلوكيات وتصرفات أعضاء هذه الجماعة . كما يري أصحاب هذا النموذج أن مجرد توفر المخدرات والجماعة المرجعية لا يعد أمراً كافيا ، فهناك قطاع عريض من أفراد المجتمع يتسمون بالاجتماعية إلي حد كبير ، لدرجة أنهم يعتبرون أن الاستخدام السيّيء للمخدرات أمر غير مرغوب فيه . لذا فإن المكون الثالث للنظريات التفاعلية يتمثل في أن الأفراد الذين يقبلون علي الاستخدام السيّيء للمخدرات تنتفي عندهم الاتجاهات السلبية أو حتى الحيادية تجاه الاستخدام السيئ للمخدرات ، فالفرد الذي يعتقد اعتقادا تاما بأن الاستخدام السيئ للمخدرات يعد بمنزلة تجربة إيجابية أكثر من كونها سلبية ، وأن هذا الاعتقاد الذي وصل إليه الفرد تم في ضوء اعتماد الفرد علي أنشطة الجماعة المرجعية التي ينتمي إليها ، هنا يكون الفرد قد بدأ الخطوة الأولي نحو الاستخدام السيئ للمخدرات.

ج- نموذج الثقافة الفرعية: يرى " زاسترو" أن قرار تعاطي الفرد للمخدرات لا يعتمد فقط علي الخصائص الشخصية والخلفية الأسرية للمتعاطيين ، ولكنه يعتمد على دور جماعة الرفاق في تفسير عملية التعاطي ، والكمية التي يتعاطاها الفرد في وقت معين ، والأنشطة الأخرى التي تندمج مع عملية التعاطي ، حيث وجد " هوارد بيكر " في دراسته " Becoming a Marjuana User  أن جماعة الرفاق تؤدى دوراً حاسما في عملية تعلم تدخين الماريجونا ، فحينما تُدْخل جماعة الرفاق شخصاً مبتدئاً في عضويتها ، تقوم بتعليمه التدخين لكي يدرك الخبرات السارة المرتبطة بعملية التعاطي ، كما أن العضوية في مثل هذه الجماعة تشجع علي تعاطي المخدرات غير المشروعة أكثر من المخدرات المشروعة ، وتعلم العضو أيضا كيفية تقبُّل معايير الثقافة الفرعية المؤيدة للمخدرات ، وَرفْض معايير الثقافة الرافضة للمخدرات ، كما
أن أعضاء هذه الجماعة يندمجون في جرائم أخرى كالسرقات والسطو علي المنازل ، وذلك
لتدعيم عاداتهم الادمانية ، وعلي الرغم من أن مثل هذه الثقافات الفرعية تعد معوقة
وظيفيا للمجتمع ، فإن مثل هذه الثقافات تؤدي وظائف مهمة لأعضاء الجماعة ، منها ما
يلي:  

-    إمداد أعضاء الجماعة بتعليمات عن كيفية تعاطي المخدرات .

-      إمداد أعضاء الجماعة بالعديد من الإرشادات المتعلقة بالاستخدام الآمن
لجرعات المخدر.

  المساعدة في مواجهة الآثار الضارة المترتبة علي تعاطي المخدرات.

-   تسهيل عملية الحصول علي المخدرات .

-   حماية أعضاء الجماعة من إمكانية القبض عليهم .  

- إقامة حفلات جماعية لأعضاء الجماعة للاستمتاع الشخصي بأثر المخدرات.

لقد تبلورت المعتقدات الثقافية المعاصرة على جَعْل مدمن المخدرات في صورة المدمن الشرير وذلك في ضوء فرضية مؤداها " أن تعاطي المخدرات يسبب تغيراً في الشخصية يترتب عليه ارتكاب السلوك الإجرامي" ، حيث تقول ميورفي ( Murphy,1922 ) عن تعاطي الماريجوانا: إن الأشخاص الذين يتعاطون هذا المخدر، يدخنون الأوراق الجافة من النبات التي يكون لها تأثيرها علي قيادتهم الجنونية ، فالمدمن في أثناء قيادته للسيارة يفقد الإحساس الكلي بالمسئولية الأخلاقية ، وحيث إن المدمن يقع تحت تأثير هذا العقار ، فإن ذلك يعفيه من العقاب ، فهو يفقد تماما الإدراك والوعي بحالته، وينتمي إلي هؤلاء المصابين بالهذيان ، ويكون قادراً علي ارتكاب جريمة قَتْل أو
الانغماس في أية صورة من صور العنف نحو الأشخاص الآخرين ، مستخدما أقصي الأساليب
البدائية في الوحشية دون الإحساس بأية مسئولية أخلاقية . 

▪ كما أن تعاطي المخدرات يؤدي إلي تدمير الدور الأساسي للمؤسسات الأسرية والدينية ، والذي يترتب عليه تعرض الشباب وخاصة البنات لرذائل ما قبل الزواج والاختلاط ، بل والاتصال الجنسى بالعديد من الأفراد ، ولقد أدت مثل هذه الأمور إلي ظهور العديد من التشريعات القانونية في كندا في الفترة من عام 1908 حتى 1923 والتي كان الهدف منها حظر استيراد وصناعة وإنتاج وبيع المخدرات - كالأفيون والماريجونا – في غير الأغراض الطبية . وحيث إن صياغة وصنع مثل هذه القوانين يؤدي إلي تجريم عادات رُئِيَ أنها ضارة بأفراد المجتمع الكندي ، فإن ذلك يترتب عليه خلق مشكلات اجتماعية من ناحية ، وتسهيل العمل الإجرامي من ناحية  أخري ، حيث يتم من خلال عملية التجريم تحويل الهوية الذاتية من كونها معيارية وسوية إلي اعتبارها منحرفة ، وذلك من خلال تطبيق وتنفيذ القوانين الجديدة علي المعتمدين علي المخدرات ، سواء في تجارتها أو زراعتها أو توزيعها أو تعاطيها. ويؤكد
بيكر
Becker أن عملية صنع قوانين المخدرات ، كان لها دور في توضيح القيم التي يتم المطالبة بها، والتي كان لها دوراً في مشروعية تحريم المسكرات والمخدرات ، كما قام " بيكر " بتصنيف تلك القيم إلي ثلاث قيم  هي:

القيمة الأولي
: هي أن الفرد يجب ألا يفعل شيئا يمكن أن يسبب له فقدان الضبط الذاتي.

أما القيمة الثانية: فَمُفَادها أنه " يجب علي الفرد ألا ينهمك في
أفعال الهدف منها فقط تحقيق حالات النشوة.

أما القيمة الثالثة : فهي تتعلق
بالمذهب الإنساني ، حيث إن الناس مستعبدون في تعاطي الكحول ، وأنه يمكن الاستفادة
من ذلك في صُنْع قوانين تجعل من المستحيل على الناس الاستسلام لمواطن ضعفهم 

د- نظرية السلوك المشكل :

ترى هذه النظرية أن السلوك بما فيه تعاطي المخدرات هو نتيجة للتأثيرات المتبادلة بين
الفرد وبيئته، والفرد هنا يعتبر عاملا نشطا يتأثر بالعوامل المعرفية و الوجدانية
والدافعية إضافة إلى تأثره بالبيئة ، ومن شأن عملية التفاعل المستمر بينه وبين
بيئته أن تؤثر في سلوكه  ليكون على شاكلة معينة وضمن هذه النظرية يرى جيسور
وجيسور  (
1977 ) Jessor & Jessor   صاحب نظرية السلوك المشكل أن مشكلة تعاطي المخدرات ناتج عن ثلاثة أنظمة وهي الشخصية والبيئة المدركة والسلوك وفي كل نظام توجد خصائص تمثل ميلا للانحراف أو للسلوك المشكل الذي يتسم بحالة من الاستمرارية غير أن أنماط السلوك المنحرف قد تختلف من مجتمع إلى آخر، ففي المجتمعات الأوروبية يعتبر احتساء الكحول مقبولا ، ولكن الأمر يختلف في المجتمعات  الإسلامية التي تحرم شرب الخمور، وكذلك قد تكون هذه الأنماط السلوكية مقبولة في فئة عمرية معينة ولكنها مرفوضة في فئة عمرية أخرى ، فتعاطي الكحول قد يكون مقبولا بين البالغين في المجتمعات الأوربية ، ولكن ليس مقبولا بين المراهقين الصغار في ذات المجتمع . 


6-  النموذج الشمولي (البيولوجية – السيكولوجية – الاجتماعية) :

    يستخم الكثرة من المختصين والأطباء هذا
المنوذج لتفهم واستيعاب أسباب المرض والتعبير عن نشأته ومعالجته والوقاية منه،
فينظرون إلى الادمان بوصفه تركيبة بيولوجية وسيكولوجية واجتماعهية –ثقافية تحمل
هذا المتغير وتتضمنه. ويضم هذا المنظور ويدمج في ثناياه جميع سمات وخصائص النظريات البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية
الثقافية، ويتناغم هذا النموذج وينسجم مع النظرة الكلية للمدمن.

الخلاصة:

يبدو أن النظريات التي تعرضنا لها من خلال هذه المداخلة لعبت دورا هاما في إعطاء تفسيرا
يعكس الممارسات السائدة في مجال تعاطي المخدرات، إذ أن أصحاب كل نظرية حاولوا توضيح حسب مجال تخصصهم الجانب الذي يؤدي ببعض الأفراد إلى تعاطي العقاقير المخدرة.

وخلاصة القول
يمكن أن نضيف بناء عما سبق ذكره إن الشخص متعاطي المخدرات هو إنسان انحرف عن
المسار السوي في مرحلة ما من مراحل تكوين شخصيته، فهو شخص لم يتدرب على مهارات
مواجهة  الضغوط وحل المشكلات التي تعترضه في حياته بالاضافة إلى فشله في التعامل مع انفعالاته وتحمل الاحباط بشكل مقبول ومناسب للوضعيات التي تعترض مسار حياته. فلجوء الفرد للتعاطي ينم على فقدان الفرد للكثير من المهارات والقدرات اللازمة للتعامل مع الذات ومع الآخرين.

النظريات والنماذج المعاصرة
المفسرة لظاهرة تعاطي المخدرات

د. مليكة بن زيــان                                    أستاذة
محاضرة قسم "أ"

                                                             
جامعة 20 أوت 1955 سكيكدة

ردود على "النظريات والنماذج المعاصرة المفسرة لظاهرة تعاطي المخدرات"

أترك تعليقا

الرجاء ترك رسالتك وفق معاييرك التربوية

Random Posts

....