العنكبوت, حقائع واعجازات ستعرفها لاول مرة
العنكبوت (الاسم العلمي: Araneae) واحد من أكثر الكائنات التي أثارت فضول الإنسان عبر التاريخ، فهو ليس مجرد مخلوق صغير يُثير الريبة عند ظهوره في ركن المنزل، بل كائن ينتمي إلى عالم بالغ التعقيد والدقة. العناكب تشكل رتبة كاملة من صف العنكبيات، وهي أكبر رتبته على الإطلاق، إذ تضم أكثر من 40 ألف نوع موزعة على حوالي 3700 جنس وأكثر من 100 فصيلة. هذا التنوع الهائل جعلها تتكيف مع مختلف البيئات والمناخات، من الصحارى القاحلة إلى الغابات المطيرة، بل وحتى المرتفعات الشاهقة. وفي المغرب وحده تم تسجيل نحو 500 نوع، منها 380 نوعاً مصنفاً علمياً ينتمي إلى ثلاثين أصلاً تطورياً.
البنية والتمايز الجنسي
العنكبوت يختلف عن كثير من الكائنات الأخرى في صفاته الجسدية وسلوكه. فهو يمتلك ثمانية أرجل وأربعة أزواج من العيون، ولا ينتمي إلى الحشرات كما يظن البعض، بل إلى المفصليات، وله صلة قرابة مع العقارب والقراد والعث وبعض الكائنات البحرية المفصلية. المدهش أن للذكور والإناث في هذه الرتبة أدواراً متباينة؛ فالذكر يُعرف بـ "عنكب"، أما الأنثى فهي "العنكبوت"، وهي المسؤولة عن بناء الشبكة وصناعة الحرير الحيوي الذي يثير إعجاب العلماء. ويصل عدد الخيوط التي تنسجها الأنثى في شبكتها الواحدة إلى 400 ألف خيط، قد يبلغ طول الواحد منها نحو 20 سنتيمتراً.
الخيط الحريري: الفولاذ البيولوجي
ما تنتجه غدد العنكبوت السفلية من حرير ليس مجرد خيط عادي، بل مادة بيولوجية خارقة. سمك خيط العنكبوت أرق من شعرة الإنسان بـ 400 مرة، ومع ذلك يتمتع بقدرة هائلة على التمدد بنسبة تصل إلى 20% من طوله دون أن ينقطع. والأهم من ذلك أنه أكثر صلابة وتحملًا من الفولاذ الصناعي، ولهذا يوصف بـ "الفولاذ البيولوجي". تقوم أنثى العنكبوت باستخدام ثلاثة مغازل في أسفل بطنها مرتبطة بغدد صغيرة تفرز هذا الحرير المعجزة، فتخرج الخيوط متماسكة ومرنة وملتصقة حين تحتاجها.
هندسة الشبكة
عندما تبدأ العنكبوتة في بناء بيتها، فهي لا تعمل بعشوائية، بل بتخطيط هندسي بالغ الدقة. تبدأ أولاً بمد "الجسر" وهو الخيط الأساسي الذي تربطه بين ورقة أو غصن، ثم تشرع في إنزال خيوط متوازية وصنع جسور متقاطعة لتشكّل الهيكل الأساسي. بعد ذلك تنسج دوائر أو مثلثات متناسقة تتلاقى جميعها في مركز الشبكة. هذه البنية ليست مجرد جمالية، بل عملية للغاية؛ إذ تضع العنكبوت مادتها اللاصقة على الخيوط الخارجية فقط، وتترك لنفسها مسارات داخلية غير لاصقة كي تتحرك عليها بأمان. عند اكتمال البناء، تنسحب إلى عش صغير بجوار الشبكة، قد تصنعه من ورقة ملفوفة أو مساحة محمية مبطنة بالحرير الناعم، وتربطه بخيط إنذار ينقل إليها أي اهتزاز ناتج عن سقوط فريسة في الشرك.
الفريسة والهضم الخارجي
تعتمد العناكب في غذائها على الحشرات بشكل أساسي، مما يجعلها حليفاً غير مباشر للإنسان في مكافحة الآفات. حين تقع الحشرة في الشبكة، تشعر العنكبوتة بالاهتزاز عبر خيط الإنذار، فتتوجه بسرعة وفق استراتيجيتها: إن كانت الفريسة ضخمة أو خطيرة تُترك وشأنها، وإن كانت كبيرة لكنها غير صالحة للأكل تُلف بخيوط من بعيد وتُترك. أما الفريسة المناسبة، فتُشل فوراً بلدغة سمية، ثم تُغلف بخيوط الحرير بإحكام. بعدها تبدأ المرحلة الفريدة من الهضم: حيث تفرغ العنكبوت لعابها الغني بالإنزيمات على الفريسة، فيذيب الأعضاء الداخلية ويحيلها إلى سائل مغذٍ تمتصه. وبذلك فإن الهضم يتم خارج الجسم، بينما يبقى الهيكل الخارجي للفريسة أجوفاً.
العنكبوت والإنسان
رغم الخوف التقليدي من العناكب، فإنها في الحقيقة من أكثر الكائنات منفعة للإنسان. فهي تفتك يومياً بكميات هائلة من الحشرات، ولو لم تكن موجودة لتضاعفت أعداد تلك الآفات حتى أكلت الأخضر واليابس. ومن بين أكثر من 40 ألف نوع معروف، لا يُشكل الخطر على الإنسان سوى 200 نوع فقط، وأشهرها الأرملة السوداء. بذلك يمكن القول إن العناكب، على غرابتها، هي إحدى ركائز التوازن البيئي، ومن دونها لكان استقرار الإنسان على الأرض مهدداً.
ردود على "العنكبوت, حقائع واعجازات ستعرفها لاول مرة"
أترك تعليقا
الرجاء ترك رسالتك وفق معاييرك التربوية